السؤال
أود سؤالكم عن الحديث الشريف التالي :
" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة" رواه البخاري
فهل المقصود بقوله عليه الصلاة و السلام "مسيرة يوم و ليلة" المسافة المقطوعة في يوم و ليلة ، أم أن المقصود هو الزمن "يوم و ليلة " بغض النظر عن المسافة.
و هل الحديث المذكور هو قطعي الدلالة لفظا أم ظني الدلالة لفظاً ؟
و إذا أردت أن أسافر بالطائرة وحدي من دولة مسلمة إلى أخرى مسلمة وكان زوجي في وداعي و سيكون أخي في استقبالي في الدولة الأخرى، فهل أنا من المقصودين في حديثه عليه الصلاة و السلام أم لا؟
و جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنهي عن سفر المرأة بلا محرم جاء مقيدا بسفرها مسيرة يوم وليلة، كما في الحديث المذكور. وجاء مقيداً في روايات أخر بسفرها ثلاثاً، وفوق ثلاث، ويومين، وليلة، ويوما واحد، وبريداً، وهو مسيرة نصف يوم.
وجاء النهي عن سفرها بلا محرم مطلقاً من غير تحديد مدة السفر. فدل على أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، وقد قرر ذلك الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه على صحيح مسلم في كلام جامع نافع ننقله بلفظه. قال رحمه الله:
( قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم" وفي رواية "فوق ثلاث" وفي رواية "ثلاثة" وفي رواية "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم" وفي رواية "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها" وفي رواية "نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين" وفي رواية "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها" وفي رواية "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم".
وفي رواية "مسيرة يوم وليلة" وفي رواية "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم". هذه روايات مسلم.
وفي رواية لأبي داود "ولا تسافر بريدا" والبريد مسيرة نصف يوم. قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أوالبريد. قال البيهقي: كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم فقال: لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال: لا. وسئل عن سفرها يوماً فقال: لا. وكذلك البريد. فأدى كل منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحدة فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا، وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً، فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين، أو يوماً، أو بريداً، أو غير ذلك، لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً. والله أعلم). انتهى من شرح مسلم للنووي.
وحيث صح النهي عن سفر المرأة بلا محرم، لزم امتثاله، ولايتوقف ذلك على كون الحديث قطعي الدلالة، أو ظني الدلالة.
وقد حكي الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم، إلا السفر للحج والعمرة ، والخروج من دار الشرك، أو الفرار من الأسر، قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "واستدلوا به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهذا إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك".
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: ( واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم، إلا الهجرة من دار الحرب فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم...
قال القاضي عياض: قال الباجي: هذا عندي في الشابة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم.
وهذا الذي قاله الباجي لا يوافق عليه، لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطة لاقطة. ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس، وسقطهم من لا يترفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها، لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته، وخيانته، ونحو ذلك. والله أعلم) انتهى من شرح النووي.
وعليه فإنه لا يجوز لك السفر بلا محرم من دولة مسلمة إلى أخرى مسلمة حسبما ورد في سؤالك.
ومن تأمل ما في السفر في هذا الزمن من المخاطر، كجلوس المرأة إلى جانب رجل أجنبي عنها ، واضطرار الطائرة للهبوط في دولة أخرى وتأخر موعد رحلتها ونحو ذلك ، من تأمل هذا علم حكمة الشرع في تحريم سفر المرأة بلا محرم ولو كان ذلك بآلة تقطع المسافة في ساعة أو أقل فإن هذه الأحكام شرعها من يعلم حال خلقه وما يصيرون إليه من تطور وتقدم ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
والله أعلم.