عندما نختلف مع الآخر.. لابد أن يكون أحدنا على صواب, أو أقرب من الآخر إلى الصواب, ولابد أن يجمعنا في النهاية ميزان واحد ومرجع نرجع إليه لنهتدي إلى الحق فينجو من كان فينا على خطأ.
فإذا صعب علينا أن نتفق على هذا المرجع واحتفظ كل طرف بما لديه من ثوابت ومقدسات .. كان إعمال العقل هو الحصن الأخير الذي نلجأ إليه ليكون حكما على ما لدينا من اختلافات .
إن إعمال العقل في الأمور كلها أمر من الله عز وجل. فما جاءت قضية التوحيد والإيمان بالله في القرآن الكريم إلا مخاطبة للعقل وداعية إلى التفكر والتدبر. والإسلام هو دين العقل والوعي واليقين , ليس دين الخرافات والأوهام والإيحاءات والخزعبلات , فإذا كان من نختلف معهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .. فهذه الشهادة أول داعم للحقيقة يجمعنا على الحق . وأما الداعم الثاني فهو تحكيم العقل بشكل متنزه عن الغرض والهوى .
إن العقل والمنطق والتاريخ يؤكد أنه لا يوجد مسلم واحد على وجه الأرض يرضى بقتل الحسين رضي الله عنه, ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من قتل الحسين أو رضي بقتله , أنا سني أترحم على الحسين , ولكني أعلم أن الأنين المستمر لن يجدي ولن ينفع , وهل يعقل أن نرى من المسلمين من ينسب لنفسه شرفا ليس له في حين يرمي الآخرين بجرم لا ذنب لهم فيه ؟ ويجعل من ذلك دينا وعقيدة ؟ مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر وسيد ولد لآدم فلم يتخذ الناس من موته إسلاما جديدا , ومات أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب وهو يصلي , وقتل عثمان بن عفان وهو صائم محاصر – رضي الله عنهم جميعا – فلم يتخذ المسلمون بموتهم إسلاما جديدا يحمل معالم أخرى تناقض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , إسلاما يلعن الصحابة ويتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير ويرمي أمهات المؤمنين بأبشع التهم , ويقول بتحريف القرآن . حتى إذا قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن بعده ابنه الحسين - رضي الله عن آل البيت جميعا - تحرك المنافقون والسبئيون وعباد الهوى في الأمة فأنتجوا الفتنة الصماء البكماء العمياء , واستغلوا حب الناس لآل البيت , واستخفوا القوم , وقام ابن السوداء ومن معه فأعملوا في الأمة السيف والقلم , فما كان قميصهم إلا دنيا وما كان إزارهم إلا شهوة وشبهة , فعكروا النبع الصافي , واستمالوا القلوب , وانتهكوا براءة الصفحات البيضاء بمداد من سم ودم , وألبسوا التاريخ ثيابا سود بلون قلوبهم .
ألا لعنة الله على من قتل عمر وعثمان وعلي والحسن والحسين .. ألا لعنة الله على من قتل مسلما بغير حق .
إذا كان الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه , فما بالك إذا كان هذا الآدمي مسلما , وما بالك إذا كان من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابته الأبرار الأطهار رضي الله عنهم جميعا ؟
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد *** متزملا بدمائه تزميــــــلا
ويكبرون بأن قتلت وإنمـــــــــا *** قتلوا بك التكبير والتهليلا
نحن نحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الحب السني الصحيح الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم , لا الحب الغريب على الأمة والملة وعلى الأرض والسماء , ونحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونقول بأن القدح فيهم قدح في شخص النبي صلى الله عليه وسلم , بل قدح في ذات الله سبحانه .
كيف لمن لا ينطق عن الهوى ويتلقى الوحي من قبل السماء أن يجهل ما عليه أصحابه ؟ إن الذي أنطق الشاة المسمومة لرسوله صلى الله عليه وسلم , وأطلع المعصوم على ما شاء من الغيب لقادر على أن يطلعه على قلوب أصحابه .
إن فئتين عظيمتين من المسلمين اختلفوا فاقتتلوا, فمن كان منهم على صواب فأجره عند الله, ومن كان منهم على خطأ فحسابه على الله . [ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون ] البقرة 134 , فلنعف ألسنتنا عن الخوض في هذا الذي من شأنه أن يفرق الأمة ويشق الصف المسلم , في جدل طويل عقيم لا يعود على الأمة بالفائدة , فليتق الله دعاة وأصحاب أقلام يتتبعون عورات الأمة من فوق المنابر .
ألا يستحي أحدنا من الله عز وجل إذا أصابه ضر أو مكروه أو حزبه أمر أن يقول يا حسين .. يا علي ؟! لا إله إلا الله , وهل يملك النفع والضر إلا الله ؟
إن الأمة في حاجة لنهضة حضارية تأخذ بأسباب العلم والمعرفة, ماذا يعني انتماؤك لهذا الدين ؟ وما هو عملك وماذا قدمت للأمة ؟ من كان صادقا فليشمرعن ساعد الجد وينهض بهذه الأمة , لا تتغنى بمجد مضى وانظر في واقع الأمة , ولا تقل كما قالت باهلة : ( منا قتيبة ابن مسلم لكن مات يرحمه الله ) .
أنت مسلم .. قم والعن الظلام وأوقد للدنيا شمعة , ولا تكن مع المسيء إذا أساء , بل كن مع المحسن إذا أحسن , ولا تقل كالذي قال :
وما أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت وإن ترشد غزية أرشد
اخرج من استسلامك وأعمل عقلك , راجع أفكارك وأقبل على الله صافيا , لا هوى ولا تبعية ولا تقليدا أعمى , انظر من جديد, ثم ارجع البصر كرتين ترى في الأمة ألف ألف ابن سلول , وألف ألف ابن سبأ , يشربون من دم المسلمين ويقتاتون من لحومهم , ليس لهم مهمة إلا التضليل وبث السموم والأوهام .
ما تجرأ علينا أعداؤنا إلا بسبب فرقتنا وضعفنا , نحن الحاضر الغائب في كل المحافل , إن إعمال العقل يقضي بأن يوجه العداء للأعداء , ولابد لكل مسلم يشهد أن لا إله ألا الله وأن محمدا رسول الله أن يعلم تماما أن الآل والأصحاب الأطهار الأبرار كان بينهم من المحبة والقرابة والإجلال والإكبار والنسب ماليس له مثيل في زماننا هذا , فلماذا تنكأ الجراح ولصالح من ؟!
مرحبا يا عراق جئت أغنيك *** وبعض من الغناء بكاء
فجراح الحسين بعض جراحي *** وبقلبي من الأسى كربلاء
إن إلهنا واحد وإن رسولنا واحد , وقرآننا واحد تكفل الله بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , فما أعظم من تلك الثوابت التي تجمعنا على الحق نتوحد فيها ونرجع إليها , نمد بها خيوطا من نور في قلب الظلم والظلام ؟! ليست الأمة بحاجة إلى مزيد من الهزائم والمآتم ...
يا ألف نائحة في اليوم تلقفني *** كفي بكاءك فالجراح تزيد
أما آن لهذه الأمة أن تتوحد ؟ أن تترك الخلاف والجدل العقيم ؟ أليس حري بنا أن نرجع إلى ميزان العقل ؟ لا وقت عندنا للأحلام والأوهام والتدليس , ولينتهي الذين يحولون التاريخ إلى مسرحية عبثية وكأننا نشاهد عملا لبوكيت أو ينسكو . أنا مسلم سني .. شغلتني همومي عن سب ابن زياد وشمر , وشغلني عملي عن العباسيين والفاطميين , وتعاليت عن لعن ابن العلقمي والبساسيري , وانتهيت عن الخوض في الفتن وتتبع كل زلة في الأمة .
فلنتصافح بأيد متوضئة , وقلوب نقية تقية طاهرة , حتى إذا ارتفع الأذان يقول الله أكبر , كان إيذانا بلم شمل هذه الأمة , على يقين منا بأن الله أكبر مما في قلوبنا من هوى وغل ووهم .فلنعلن للعالم كله من فوق المنابر ومن ميادين العلم والعمل عن هويتنا ومنهجنا ورفعتنا , يقودنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام .
إذا هرم العالم فنحن شبابه , وإذا مرض العالم فنحن علاجه , وإذا أظلمت الدنيا فنحن النور والهدى , وإذا انقطعت الأسباب فإن أسبابنا موصولة بالله إلى يوم القيامة , وإذا ضل الناس الطريق فطريقنا لا إله إلا الله محمد رسول الله , القرآن منهجنا والرسول قائدنا .
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين