من بين الاضطهادات المرعبة التي تلت الثورة (ثورة 1871) ما يلي:
مائة فرنك ضريبة حرب على كل بندقية محجوزة.
مصادرة 5 ملايين هكتار من الأرض التي يملكها الثوار.
وتأميم مليونين و 500 ألف هكتار أخرى .
إصدار قانون بالمسؤولية الجماعية على كل خسارة.
إعطاء حكام البلديات كل الصلاحيات لمواجهة الطوارىء.الفصل الرابع: الحركة الوطنية
بعد أن دب الوهن في المقاومات الشعبية المسلحة وتمكنت السلطات الاستعمارية من بسط سيطرتها على الجزائر بدأت في مطلع القرن العشرين مرحلة جديدة من النضال والمقاومة عرفت بمرحلة النضال السياسي وقد اتسمت في بدايتها بظهور نوع من المقاومة التي تعتمد على اللوائح والعرائض الإحتجاجية والصحافة لتصبح فيما بعد في شكل نوادي وجمعيات ثقافية وخيرية ورياضية.
إن أهم ما يميز النضال السياسي في الجزائر منذ بدايته هو انقسام عناصره إلى تيارات متعددة و متباينة.
وإضافة إلى حركة الشبان الجزائريين فإن الأمير خالد (1875م-1936م) يعد من أبرز الشخصيات الجزائرية التي قامت بدور هام في الميدان السياسي في هذه الفترة، حيث شارك في الانتخابات البلدية وأسس صحيفة " الإقدام " ودخل في صراع حاد مع حركة الدكتور بن تامي الاندماجية والذي كان إلى جانبه في تأسيس " لجنة الدفاع عن مصالح المسلمين " وعندما تأكدت السلطات الفرنسية من أنه قد يصبح زعيما وطنيا شددت عليه الخناق ثم نفته خارج الوطن.
وأسس الدكتور بن تامي " جمعية النواب المسلمين الجزائريين " الاندماجية لكن هذه الجمعية لم تمكث طويلا حتى انقسمت على أسس جهوية:
- اتحادية النواب المسلمين العامة .
- اتحادية النواب القسنطينية .
- اتحادية النواب المسلمين بوهران .
و كان للمهاجرين الجزائريين في فرنسا دور كبير في تطور الوعي الوطني و الإجتماعي ، فقد بادروا بإنشاء حزب " نجم شمال افريقيا " سنة 1926 بباريس، وذلك بفضل الظروف التي كانوا يعيشون في ظلها والمتمثلة في وجود تنظيمات مختلفة وحياة نقابية نشيطة. إذ قام هؤلاء بالإنخراط في التـنـظيمات النقابية والسياسية التي يقترب برنامجها من طموحاتهم، وقام مصالي الحاج، بعد أن أصبح رئيسا لهذا الحزب، بعرض برنامجه في المؤتمر المناهض للإمبريالية المنعقد في بروكسل ببلجيكا في السنة نفسها وأهم محتوياته، الإستقلال الكامل للجزائر وإنشاء جيش وطني وبرلمان جزائري منتخب بواسطة الإقتراع العام. وجلاء الجيش الفرنسي من التراب الجزائري، لهذا قررت السلطات الفرنسية حل النجم سنة 1929م الأمر الذي دفعه إلى ممارسة نشاطاته في السرية تحت إسم " نجم شمال إفريقيا المجيد".
يمثل مصالي الحاج أحد أقطاب التيار الوطني الشعبي الرديكالي الذي كان يطالب بالإستقلال التام عن فرنسا . و قد بدأ نضاله في فرنسا في ظل الحركة العمالية الفرنسية و لكن سرعان ما أنفصل عن الحزب الشيوعي لإعتبارات إيديولوجية و سياسية حيث كان من المدافعين عن مقومات الشخصية الوطنية و كان يرفض الخط السياسي الذي تبنته الحركة الشيوعية العالمية و المتمثل في إعطاء الأولوية للنضال ضد الفاشية و النازية و من أجل بناء مجتمع إشتراكي على حساب النضال من أجل القضاء على الاستعمار
أسس النجم لنفسه جريدة " الأمة " سنة 1930م وقامت بنشر المذكرة التي أرسلها مصالي الحاج إلى عصبة الأمم والتي يكذب فيها الإدعاءات الفرنسية بأن الجزائر صارت فرنسية وإلى الأبد ومرة أخرى يتعرض الحزب للحل ويعاقب زعيمه بـ 6 سنوات حبسا لإعادة تشكيل منظمة محلولة ولكن الحزب واصل نشاطاته تحت إسم جديد هو "الإتحاد الوطني لمسلمي شمال إفريقيا".
لقد كان النجم حزبا يضم كافة أقطار شمال افريقيا ويعمل على تحريرها بل واهتم أيضا بمشاكل العالم العربي والدليل على ذلك تلك المظاهرة الضخمة التي نظمها في باريس يوم 14 جويلية 1936م وحضرها أكثر من 40 ألف جزائري نادوا خلالها: " حرروا شمال إفريقيا، حرروا سوريا، حرروا العالم العربي" كما شارك الحزب مشاركة فعالة في المؤتمر الإسلامي الأوربي بجنيف.
وقد تمكن نجم شمال إفريقيا من تسريب أفكاره إلى داخل الوطن بشكل واسع وكبير بعد إنعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري في جوان 1936م بمدينة الجزائر، وسبب إنعقاده يتمثل في أن بعض الحركات الجزائرية رأت بعد وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا أن ظروفا جديدة أصبحت مواتية للمطالبة بالحقوق الوطنية خاصة عندما قدم مشروع بلوم فيوليت "Blum-Violette " الذي رفضه المعمرون بكل قوة فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى سحبه. وقد شاركت عدة شخصيات جزائرية في هذا المؤتمر ومن بينها الدكتور محمد الصالح بن جلول والصيدلي فرحات عباس والشيخ عبد الحميد بن باديس، وقدموا في إطاره مجموعة من المطالب إلى الحكومة الفرنسية تتلخص في إلغاء جميع القوانين الاستثنائية، وإلحاق الجزائر بفرنسا إلحاقا إداريا لا قوميا مع توحيد الإدارة وفصل الدين عن الدولة وحرية تدريس اللغة العربية وحرية التعبير، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.
تسارعت الأحداث بشكل كبير بعد سنة 1936م إذ قامت السلطات الفرنسية بحل نجم شمال إفريقيا مرة أخرى في 26 جانفي 1937م إلا أنه عاد إلى الظهور في 11 مارس 1937م تحت إسم جديد وهو "حزب الشعب الجزائري " كما صدم الإندماجيون الجزائريون بالتعنت الفرنسي فقام فرحات عباس بتأسيس حزب جديد أسماه " الإتحاد الشعبي الجزائري" سنة 1938م، وقام الدكتور محمد الصالح بن جلول بتأسيس "الإتحاد الفرنسي الإسلامي الجزائري " في العام نفسه. وفي 1939م إبان اندلاع الحرب العالمية الثانية تقرر السلطات الفرنسية تعليق كل الأنشطة السياسية والصحفية التي لا تعلن تأييدها لفرنسا لذلك توقفت جرائد الحركة الوطنية منها جريدة "البصائر" ومجلة "الشهاب" الناطقتان بإسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وجريدة "البرلمان" وجريدة "الشعب" الناطقة باسم حزب الشعب الجزائري.
على إثر محاولات الإستعمار الفرنسي القضاء على مقومات الشخصية الوطنية و أمام ضعف الزوايا و تشجيع الإستعمار لممارسات و عقائد دينية تعطل من عملية تقدم الشعب الجزائري لجأ إبن باديس إلى إنشاء جمعية العملاء المسلمين هدفها الحفاظ على الهوية الجزائرية و تصحيح المفاهيم الدينية و الرفع من مستوى الوعي
ويساق الجزائريون في حرب لا تعنيهم ومرة أخرى يتساءل الوطنيون عن المخرج فيقدم فرحات عباس مذكرة للوالي العام الفرنسي يدعو السلطات الفرنسية إلى الاعتراف بالأمة الجزائرية التي يجب أن تتحرر كباقي أمم العالم. وفي 1943م تقدم عدد من الشخصيات الجزائرية ببيان فبراير 1943م وسلمت نسخا منه للحلفاء وكذلك للجنرال ديغول الذي عين الجنرال كاترو حاكما عاما للجزائر، وأهم ما جاء في هذا البيان إلغاء النظام الاستعماري فورا وإنشاء دولة جزائرية لها دستورها وبرلمانها وإشراك الجزائريين في تسيير شؤونهم وتحقيق الحريات العامة.
يعتبر فرحات عباس أحد أقطاب النضال السياسي في الجزائر وقد كان يمثل النخبة المثقفة فكانت مواقفه مناهـضة للنظام الإستعماري و لكنها كانت أقل راديكالية من مواقف حزب الشعب حيث كان يطالب بإصلاحات سياسية و أقتصادية و يطمح لتكوين جمهورية جزائرية و لكن دون قطع الصلة بفرنسا
الفصل الأخير: الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية
عندما وضعت الحرب العالمية أوزارها أعتقد الجزائريون كباقي شعوب العالم التي كانت خاضعة لأنظمة استعمارية استبدادية أن الوقت قد حان كي تعترف فرنسا باستقلال الجزائر خاصة و أن المئات من الجزائريون شاركوا في الحرب إلى جانب الحلفاء و عانوا الكثير من ويلات الحرب .
و في اليوم الذي أعلن كتاريخ للاحتفال بنهاية الحرب أي في 8 ماي 1945 نظم كل من حزب الشعب و أحباب البيان مظاهرات سلمية فرفضت القوات الاستعمارية أن يحمل المتظاهرون لافتات تطالب بالاستقلال و تحولت المظاهرات السلمية إلى حمام من الدم و أنتفض الشعب في مناطق مختلفة من البلاد وقوبلت هذه الانتفاضة بقمع وحشي شاركت فيه قوات البوليس و ميليشيات الكولون و الجيش الفرنسي مستعملا أسلحته المختلفة. فقامت الطائرات بقصف بعض الدواوير و المشاتي كما شاركت البوارج البحرية في عمليات القمع حيث قصفت بعض المناطق في كل من بجاية و جيجل
بعد هذه الأحداث انقسمت الحركة الوطنية إلى تيارين ، فخوفا من مجازر أخرى فضل التيار الأول الأساليب السلمية و النضال السياسي و فضل التيار الثاني التحضير للمواجهة المسلحة .
فأنشأ فرحات عباس حزبا برنامجه يعتمد على البيان الذي قدم للحلفاء في 1944 و المطالب بالحق في تقرير المصير و القضاء على النظام الاستعماري و المساواة بين المواطنين و بضمان الحريات الأساسية لكل الجزائريين مع البقاء ضمن اتحاد فيدرالي فرنسي .
و كون مصالي الحاج حزبا جديدا خلفا لحزب الشعب هو حزب انتصار الحريات الديمقراطية و الذي كان يعتمد نفس البرنامج المطالب بالاستقلال التام عن فرنسا و الذي بصفة رسمية كان يعتمد أسلوب النضال السياسي .
و لكن ضمن هذا التنظيم كون الحزب منظمة سرية شبه عسكرية سميت بالمنظمة الخاصة أوكلت لها مهمة التحضير للثورة بجمع و إشتراء الأسلحة و تدريب المقاتلين على استعمالها و التجسس على حركات البوليس و كان محمد بلوزداد أول مسؤول عنها.
و قد اعتمدت فرنسا بعد مجازر سطيف قالمة و خراطة أسلوب المراوغة فأصدرت في 1947 قانونا جديدا يسير الجزائر. يعترف بالمساواة في الحقوق و الواجبات بين كل سكان الجزائر و ينشأ مجلسا وطنيا جزائري لكن في نفس الوقت ينشأ هيئتين انتخابيتين هيأة خاصة بالكولون و نخبة من المسلمين و هيأة ثانية خاصة بالأهالي و تنتخب كل هيأة 60 نائبا وبذلك يتساوى صوت المعمر مع 8 أصوات من الأهالي.
ورغم هذا الإجحاف في التمثيل و السلطات المحدودة للمجلس الوطني الجزائري تفنن الكولون و على رأسهم الحاكم العام نجيلان في التزوير لمنع أنصار مصالي الحاج و فرحات عباس من الحصول على مقاعد في المجلس .
لقد عاشت الحركة الوطنية في بداية الخمسينات أزمة حادة نتيجة للتردد من جهة و رفض المستعمر تقديم أية تنازلات سياسية تعطي الأمل في حل سلمي للمعضلة الجزائرية .
فبعد وفاة محمد بلوزداد و عملية السطو على بريد وهران أستطاع البوليس تفكيك المنظمة الخاصة ( و ذلك على إثر فشل عملية تأذيب مناضلين من المنظمة) و قام باعتقال عدد من مناضليها.
و ظهرت صراعات حادة داخل حزب انتصار الحريات الديمقراطية بين أنصار مصالي الحاج من جهة و أعضاء اللجنة المركزية للحزب الذين كانوا يعارضون تسلط مصالي الحاج و تسييره اللاديمقراطي للحزب.
http://www.cnerh-nov54.dz/images/benkhedda.jpgأنتخب يوسف بن خدة أمينا عاما للحزب في 1953 و عارض مصالي قرارات المؤتمر مما خلق أزمة حادة و أنشقاقا كبيرا داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية
في نفس الفترة تأزمت الأوضاع في تونس حيث أمام الانسداد السياسي و إلقاء القبض على بورقيبة و اغتيال فرحات حاشد حمل بعض مناضلي القضية الوطنية السلاح و لم تهدأ الأوضاع إلا في جويلية 1954 عندما قررت حكومة منداس فرانس منح الاستقلال الذاتي لتونس.
وقد سادت الاضطرابات المغرب كذلك نتيجة حمل حزب الاستقلال مطلب إلغاء الحماية الفرنسية على المغرب ، فقد منع كل من حزب الاستقلال و الحزب الشيوعي من النشاط السياسي و نفي الملك محمد الخامس في 20 أوت 1953 نتيجة لمساندته لهذا المطلب و أنتفض الشارع في مدن كثيرة من المغرب .
عرفت هذه فترةبداية الخمسينات انتشار واسع لفكرة التحرر وانحصار المد الاستعماري، فقد كان للثورة المصرية 23 جويلية 1952 وللحركات المسلحة في كل من تونس والمغرب و الفيتنام صدى كبيرا في نفوس المناضلين الجزائريين الذين تأكدوا من عدم جدوى النضال السياسي للقضاء على نظام إستعماري يحاول بكافة الوسائل إحكام قبضة الأقلية على ثروات و خيرات البلاد .
النهاية من الأرشيف الوطني