المساهمات : 558 تاريخ التسجيل : 25/10/2007 الموقع : www.donyawadine.kalamfikalam.com
موضوع: الأدب الغربي والأدب العربي الإثنين 05 نوفمبر 2007, 16:38
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أقدم لكم موضوعاً عن مفهوم الحداثة:
بين الأدب الغربي والأدب العربي
يعتبر مصطلح الحداثة Modernism من أبرز المصطلحات التي شاع حولها لغطكبير في الربع الأخير من القرن العشرين في الأدب العربي ، فمروجوه من الشعراءوالكتّاب اعتبروا أنفسهم أصحاب التقدم وأهل العصرنة ، بينما اتهمهم المعرضون بأنهميروجون كفرًا وزندقة ، وبدلاً من مناقشة الجانبين ، لنتعرف على تاريخ ومفهوم هذاالمصطلح .
من الثابت تاريخيًا أن هذا المصطلح ظهر بعد الحرب العالميةالأولى في أوروبا ، ويعود سبب ظهوره إلى الحالة الفكرية والنفسية التي انتابت مفكريوفلاسفة أوروبا بعد الحرب ، فقد وجدوا عدد ضحايا هذه الحرب يصل إلى خمسين مليونًامن القتلى ، ناهيك عن الجرحى والمشوهين ، مما أوجد حالة من العبثية واليأس ، فكمالملايين من الشباب الذين ماتوا على خطوط القتال ، فكان السؤال المطروح : ما السببفي ذلك ؟ أرجع المفكرون هذا إلى العقائدالسائدة في العالم ، فالصراع فيالحرب العالمية الأولى صراع أفكار ناتج عن وجود كيانات ثقافية وسياسية تستند إلىالدين مثل : الدولة العثمانية وألمانيا وروسيا القيصرية والمملكة المتحدة وهذه دولاتخذت الدين ( الإسلامي أو المسيحي ) شعارًا في حربها ، ومن هنا نشأت فكرة الحداثة، في حالة تضاد مع كل ما يمت إلى الماضي الرجعي بصلة ، لأن أفكار الماضي هذه سببالخراب والقتل ، فكان لابد من تدميرها واستبدالها بنظم فكرية وفلسفية جديدة،ومن هنا نشأت فكرة التدمير التي تعتبر المحور الأساسي لمصطلح الحداثة ،ويعني : تدمير كل ما هو ماضٍ وإحداث قطيعة معرفية ونفسية معه ، لصالح بناء أفكارجديدة ، فليس تدميرًا فقط ، بل هو تدمير وبناء ، تدمير للسابق المتخلف ، وبناءلجديد مبتكر .
وكانت هذه الفكرة وقودًا للحركة الشيوعية في روسياالبلشفية ، حيث تبنت هذه الحركة تدمير روسيا القيصرية لأنها تعتمد على نظام كنسيمتهالك يساند الحكم القيصري بكل جبروته ومظالمه وتمييزاته الاجتماعية والاقتصاديةوالفكرية ، وبناء نظام عقائدي وسياسي واجتماعي جديد من خلال تطبيق الفكر الماركسيالذي يقدم معالجة شاملة – كما يرون – من أجل تكوين مجتمع حداثي عصري .
وفي الأدب ، سعى الأدباء الغربيون إلى تقديم أشكال أدبية جديدة فيبنائها وتصوراتها ، ولعل الأديب الإنجليزي جيمس جويس نموذجًا واضحًا لذلك في روايته Ulses أو عوليس في ترجمتها العربية ، وهي رواية استحدث فيها جويس شخصيات قلقة ، لهاأفكار منحرفة تضاد التقاليد والدين المسيحي ، وتدعو إلى التحرر من القيم الاجتماعيةالموروثة التي تحدّ من حرية الإنسان ، وتكبت رغباته ، فرأينا في الرواية أفكارًاتدعو للإباحية الجنسية والعلاقات المثلية والإنجاب خارج الزواج ، وكل هذا تحت دعوىتحرير الفرد من كل ما هو سابق من قيم ، المهم أن تتحقق السعادة للفرد ، بأي وسيلةكانت . لاشك أن رواية عوليس وفقًا للتقويم النقدي رواية رائدة في بنائها الفني ،وخاصة أن جويس استخدم مفردات من عشر لغات ، وأدخل عشرات الشخصيات الجديدة ، بأحداثشديدة التشويق ، ولكن أحيانًا العبقريات الفذة تشطح وتضر ، ويكون تأثيرها أعظم منغيرها .
ثم انتقل مصطلح الحداثة إلى الأدب العربي الحديث ، منذ أوائلالستينيات في القرن العشرين ، على أيدي طائفة من شعراء سورية ولبنان ومصر، منأبرزهم : الشاعر السوري " علي أحمد سعيد " المعروف باسم " أدونيس " ، وسعيد عقل منلبنان ، ومن مصر : حسن طلب ، وحلمي سالم ، ورفعت سلام ، ومحمد عفيفي مطر وغيرهم.
وقد انتقل هذا المصطلح من خلال مجلة " شعر " التي كانت تصدر في بيروت فيالستينيات واتضح بعدها أن المجلة ممولة من المخابرات المركزية الأمريكية كما ورد فيالكتاب الشهير " من الذي دفع الثمن ؟ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والحربالباردة الثقافية " ، لمؤلفه " فرانسيس ستونور سونديرز " وكانت تستهدف بث قيم أدبيةغربية في الأدب العربي ، بهدف إغراق الجيل الجديد من الأدباء العرب في تهويماتشعرية ولغوية ، تبعدهم عن تقاليد وقيم المجتمع ، وتزيد من غربتهم الفكرية ، وتحدثقطيعة بينهم وبين المتلقي العربي.
ومن ينظر في النماذج الشعرية التيصاحبت موجة الحداثة التي زاد انتعاشها في سنوات السبعينيات حتى أواسط الثمانينياتير أنه سعت إلى تدمير الأبنية اللغوية والأدبية في الشعر من خلال السخرية بكلالتعبيرات والصور المتوارثة ، وإحداث بناء لغوي جديد ، التدمير للغة ، والبناءلسياقات جديدة (فكرة التدمير والبناء ) ، فرأينا صورًا شعرية شديدة الغموض ،وتعبيرات لغوية معقدة ، وصار الشعار المرفوع : العيب في القارئ المتلقي ، وليس فيالشاعر المبدع . وتحدى هذا الجيل أكثر ، حينما قاطعوا المجلات الثقافية السائدةوقاموا بإصدار مجلات جديدة مثل مجلة " إضاءة 77 " في القاهرة ، التي عبرت عن جماعةإضاءة الحداثية ، وقد اتهمت هذه المجلة – في مقالاتها النقدية – الجمهور العربيبالانقطاع عن الأدب ، وراحت تردد أن شعراءهم يكتبون للأجيال القادمة ، وأن هذاالجيل لن يفهمهم . وكان من تجليات شعر الحداثة المزيد من الإغراق الفلسفي ، وإسباغنظرة الفيلسوف القابع في برج عاجي على القصيدة ، فكان ديوان " سيرة بنفسج " وديوان " زمن الزبرجد " للشاعر حسن طلب اللذين أوجدا رؤية فلسفية لزهرة البنفسج وجوهرةالزبرجد ، جعلاها ذات عالم فلسفي متكامل ، وهذه فكرة جيدة ، ولكنها.
شديدةالانقطاع عن مشكلات المجتمع ، وواقع الشباب وفكرهم فكأن الشاعر في واد ، ومستمعه فيواد آخر ، وهذا نجده أيضًا في ديوان " الأبيض المتوسط " للشاعر حلمي سالم ، حيث نرىأبنية لغوية معقدة تصل إلى درجة الإلغاز ، ولا نكاد نعثر على فكرة محورية للنص ، بلمجرد تتابعات لصور وأخيلة لا رابط بينها إلا ما يضفيه المتلقي من علاقات فكريةمصطنعة من عنده ، وكانت نهاية الموجة مع ديوان " آية جيم " للشاعر حسن طلب.الذي جعله على نسق القرآن الكريم حيث يقول في المفتتح : أعوذ بالشعبالمسكين من السلطان الغشيم ، باسم الجيم " ثم رأينا بناء لغوي شديد التعقيد ، أخرجكل الألفاظ الجيمية من المعجم وراح يستخدمها في قصائد شديدة التعقيد ، ناهيك عنالتجاوزات العقدية والشطط الفكر.لقد ادّعى هؤلاء أنهم رواد التنويروالتقدم ، واتهموا كل من عاداهم بالرجعية والتخلف ، وصار كل من لا يقرض الشعر علىطريقتهم متأخرًا ، أي نشروا إرهابًا فكريًا . وكانت النتيجة : انصراف الجمهور عنمتابعة الشعر ، عزلة الشاعر عن الحياة والناس ، الغرق في التعقيد اللغوي ، ربطالموجة الحداثية بالفكر الغربي بشكل عام، واتخاذ هم العلمانية دينًا وشعارًا،والغريب أنالدائرة تدور على هؤلاء ، ويأتي من بينهم شعراء يتمردون علىرؤاهم ، ويتهمونهم بالتعالي والتفلسف والانعزال ، فانقلبوا عليهم وجنحوا بالقصيدةإلى البساطة والوضوح ، وتبنوا بعض أطروحات ما بعد الحداثة التي رحبت بالقيم الدينيةوالمجتمعية – جزئيًا - وهكذا ما طار طير وارتفع ، إلا وكما طار وقع.وانزوى هؤلاء إلى النسيان ، وظهرت موجات شعرية جديدة ، تجاوزتهم. ولكن من الإنصاف أن نذكر لهؤلاء الحداثيين أمرين.
الأول : أنهم كانوامخلصي النيات في كثير من تجاربهم الشعرية ، ولم يكونوا كما ادعى مخالفوهم عملاءومتآمرون ، بل كانوا يريدون أشكالاً جديدة للشعر ، تخالف ما وجدوه من السابقين ،وهم مدفوعون في ذلك إلى رغبتهم في التجديد والمخالفة ، وقد كانوا في سن الشبابوالمغامرة وقد اعترفوا بذلك في التسعينيات حيث قالوا أن تجربتهم الشعرية بها كثيرمن المآخذ ، وبرروا ذلك بغياب الحركة النقدية الجادة عنهم.
الثاني : أنهم أحدثوا حراكًا فكريًا وثقافيًا في المجتمع ، حيث ثارت أسئلة عديدة من مثل : لماذا تجمد الشعر العربي – السابق عليهم - ووصل لطريق مسدود على صعيد الصور والرموز؟وابتكروا تعبيرات تقدية عديدة مثل : الحساسية الشعرية الجديدة ، والكتابةعبر النوعية ، وهذه ولدت جيلا جديدًا من النقاد ظهر بعد ذلك ، وراح يطور أدواتهالنقدية من أجل مواكبة النصوص الشعرية الجديدة.