العمى الإلكتروني" يصيب العالم العربي 01.02.2008

على مدى اليومين الماضيين، تأثرت خدمة "الإنترنت" في منطقة الخليج، وبعض الدول العربية وشمال أفريقيا بعطل كبير, تسبب في إصابة هذه الخدمة العنكبوتية بالشلل التام، للدرجة التي جعلت البعض يصف حالة الخدمة بأنها "عمى إلكتروني".
انقطاع الخدمة الذي أصاب الدول العربية والأفريقية، والتي تقدر بنحو 18 دولة، جاء نتيجة لقطع في كابلات الاتصالات البحرية بالبحر المتوسط، وهو ما أدى إلى انقطاع الخدمة عن تلك البلاد، وانعكس تأثيره على المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والصحفية، فضلاً عن تأثر البورصات العالمية والشركات الاستثمارية، وشركات الملاحة البحرية والجوية بهذا الانقطاع، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الخدمية، وتأثير كل ذلك على خدمات الاتصالات الدولية في مصر.
وأثر انقطاع خدمات "الإنترنت" في مصر، على سبيل المثال، بانقطاع جزئي لهذه الخدمات بالمؤسسات المشتغلة بها، بنسبة وصلت إلى 70%, على مستوى الجمهورية، كما تأثرت أيضًا مراكز خدمة العملاء، التي تقوم بتصدير خدماتها للخارج بنسب متفاوتة تعدت 30 %، في الوقت الذي تأثرت به أيضًا بعض المكالمات التليفونية مع أوروبا وأمريكا بنسبة ليست مقابلة لخدمات "الإنترنت " ذاتها.
وحسب الشركات العالمية التي تقوم بتقديم الخدمة، فإن التأثير شمل دولاً عربية في المنطقة بدرجات متفاوتة، ومنها السعودية والإمارات وقطر والبحرين واليمن، حيث حصل انقطاع "الانترنت" في بعضها بصورة شبه كاملة.
ومع إصابة الشلل لكثير من المؤسسات المشتغلة بالانترنت في مصر، فقد دفع ذلك الدكتور "طارق كامل" (وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات)، إلى تشكيل مجموعة عمل طارئة لمتابعة آثار القطع في كابلات الاتصالات البحرية للألياف الضوئية في البحر المتوسط، وتبين أن منطقة في البحر المتوسط تبعد حوالي عشرة كيلومترات شمال مدينة الإسكندرية، كانت شاهدة على هذا الانقطاع في كابل شركة "فلاج" العالمية وكابل مؤسسة "سيمي وى" العالمية، والتي تدار بمعرفة هذه الشركات العالمية بالتنسيق مع الشركة المصرية للاتصالات.
وحسب تأكيد مسئولي الاتصالات المصرية، فإن اثنين من الكوابل أصابهما العطب، مما دفع المسئولين إلى تشغيل الشبكة على كابل ثالث، وعلى الرغم من عدم كفاية هذا الكابل، إلا أنه وحسب نفس المسئولين، فإن ذلك، يأتي لفترة وقتية قصيرة، لحين الانتهاء من إصلاح الكابلين الآخرين، اللذين يمكن أن يستغرقا قرابة أسبوع، لتعود الخدمة الإلكترونية، إلى سابق عهدها.
وتقوم مجموعة العمليات المشكلة حاليًا من خبراء مصريين، باتخاذ إجراءات، منها: المساعدة في توجيه حركة "الإنترنت" الدولية إلى مسارات بديلة جنوبًا عن طريق مدينة السويس وعن طريق الأقمار الصناعية, وتشغيل مراكز خدمة العملاء Call Centers، وخدمات الإنترنت من خلال كابل SEAMEWE3 في البحر المتوسط، وهو ما ساهم في إعادة الخدمات جزئيًا من خلال الإجراءات العاجلة التي تتم في الوقت الحالي.
ويصف خبراء المعلومات، العطل بأنه غير مسبوق، وأنه غالبًا ما يمكن أن يكون ناتجًا عن أسباب خارجة عن سيطرة البشر، في الوقت الذي يشير فيه مسئولو وزارة الاتصالات المصرية، إلى أنه كان هناك تصرف سريع, للتعامل مع هذه الأزمة، بنقل مسارات البيانات لتمر عبر شرق السويس ثم الخليج إلى الهند واليابان، بجانب استخدام الأقمار الصناعية، ليكون ذلك كله بديلاً عن المسار الحالي، الذي كان يستخدم فيه الكابل، الذي تعرض للعطل, وكان يربط شرق آسيا بأوروبا عبر مصر, وذلك، في ظل ما تم إعلانه من أن الإصلاح سيستغرق وقتًا طويلاً، قد يستمر عدة أيام.
ومن جانبه، يتوقع خبير المعلومات المصري, الدكتور "أيمن بهاء", أن تكون نسبة الخسائر التي نجمت عن انقطاع "الإنترنت" كبيرة في العالم العربي، تصل إلى مليارات الدولارات؛ نظرًا لتعامل الكثير من المؤسسات الأكاديمية والمصرفية والصحفية بالإنترنت.
ويدعو الدكتور، شركات "الإنترنت"، إلى تعويض مستخدميه في مصر، من خلال تحرك جمعيات حماية المستهلك، المنتشرة في مصر، إلا أنه على الرغم من هذه الدعوة، ومطالبة هذه الجمعيات بتعويض المستخدمين، فإنه، حسب مسئولي وزارة الاتصالات المصرية، فإن هذه الشركات ليست مسئولة عن هذا الانقطاع، مما يقلل من إمكانية التعويض.
وبعيدًا عن القاهرة، فقد نال العطب عدة مناطق أخرى في شمال الجزائر وجنوب شرق آسيا، وتحديدًا في تايوان والهند، مما أدى إلى انعزال هذه المناطق عن العالم؛ بسبب عطل "الإنترنت"، في الوقت الذي كانت فيه الإمارات، من الدول التي سعت إلى توفير البديل لها، باستخدام الأقمار الصناعية.
ولم يقتصر الضرر على مصر فقط، بل امتد لعدد من دول الخليج. وأفادت الأنباء بأن خدمات "الإنترنت" في كل من السعودية والكويت وقطر تعطلت أيضًا, ففي السعودية اشتكى مستخدمو "الإنترنت" من بطء الخدمات أو توقفها تمامًا في بعض الأحيان عن العمل. كما اشتكى متصفحو "الإنترنت" في البحرين وقطر من بطء الخدمات. وفي الكويت، بعثت شركة "جولف نت" التي تقدم خدمات "الإنترنت" رسائل بالبريد الإلكتروني لزبائنها تعتذر فيها عن " الأداء السيئ عند تصفح الإنترنت", وفي الهند أشارت التقارير الواردة من هناك أن شبكة "الانترنت" تضررت بشدة، حيث وصلت نسبة الضرر إلى 50 %.
وفي الوقت الذي لم يتم فيه تحديد سبب القطع بشكل نهائي، إلا أن الدكتور هشام نبيه المهدي (أستاذ الاتصالات في جامعة القاهرة)، يضع ثلاثة احتمالات لهذا الانقطاع المفاجئ، والذي يعد الأول من نوعه، منذ انطلاق الشبكة، قبل عدة سنوات، أول هذه الأسباب التي يحددها د. المهدي، كما يقول لشبكة "الإسلام اليوم ", هو الخلل الفني، الذي تم الإعلان عنه، والمتمثل في قطع كابلات الاتصال، فيما يرصد السبب الثاني، في فرضية نظرية المؤامرة، التي يرى أنها سبب قوي في حدوث هذا القطع، رغبة من الدول الكبرى، والتي يسميها بالفعل, "الولايات المتحدة الأمريكية"، رغبة منها في إحداث قطيعة داخل العالم العربي, وإحداث خسائر له بدرجة كبيرة, بعدما تخطى "الإنترنت" جانب "الدردشة" إلى قطاع الأعمال، وإبرام الصفقات, والحصول على المعلومات.
التفسير الأخير الذي يذهب إليه د. المهدي، يراه في تعرض هذه الكوابل لحادث إرهابي، يستهدف إحداث الوقيعة بين الشرق والغرب، وهى الفرضية التي يرجحها بنسبة كبيرة، دون أن يصف طبيعة هذه الفرضية، التي دفعته وغيرها من الفرضيات التي طرحها، إلى مطالبة الجامعة العربية، وأمينها العام، عمرو موسى، للإسراع في إنشاء شبكة"إنترنت" عربية؛ لتكون بديلة عن شبكة "الإنترنت" الدولية، وليكون للعرب البديل، الذي يغنيهم عن الآخر الدولي.