اصطلاح التضخم من الاصطلاحات التي يصعب تعريفها، وذلك لأنه يضم مجموعة من الظواهر، والتي قد تبدو في بعض الأحيان متعارضة ومتضادة !! لكن من التعاريف الكثيرة لظاهرة التضخم نرجح تعريف Emelejames والذي يقول فيه: التضخم: هو حركة صعودية للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب الزائد على قدرة العرض. ب ـ وأما ما يتعلق بأنواع التضخم، فيختلف الأمر من نظام اقتصادي لآخر: فأنواع التضخم في الفكر الاقتصادي الرأسمالي تخضع لعدة معايير، منها: > التمييز على أساس درجة إشراف الحكومة على جهاز الأسعار: بحيث يظهر هنا ثلاثة أنواع من التضخم، هي: ـ التضخم الطليق ( المفتوح ): بحيث لا تتدخل السلطات العامة، فينمو الاقتصاد بشكل طليق وحر، مما يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار، يرافقه ارتفاع في الأجور والنفقات.. . ـ التضخم المكبوت ( المستتر ): بحيث تتدخل الدولة في كل شيء، مما يؤدي إلى السيطرة على ارتفاع الأسعار، وما إلى هنالك. ـ التضخم الكامن: بحيث تفرض الدولة نظام توزيع السلع، مما يؤدي إلى زيادة في الدخول، يرافقه زيادة في الإنفاق على سلع الاستهلاك والاستثمار ... > التمييز على أساس القطاع: ويضم التضخم السلعي، والتضخم الرأسمالي. > التمييز على أساس حدة الضغط التضخمي، ويضم التضخم الجامح والتضخم غير الجامح. أما عن أنواع التضخم في الفكر الاقتصادي الاشتراكي، فيخضع لعدة معايير، منها: > ـ التمييز على أساس حدة الضغط التضخمي: بحيث يتفرع عنه نوعين من التضخم، هما: ـ التضخم المبدئي: وذلك عندما تكون قيمة الزيادة في الطلب مساوية أو تزيد على قيمة المخزون السلعي. ـ التمييز على أساس طبيعة الأسواق التي يظهر فيها التضخم: بحيث يتفرع عنه نوعين من التضخم، هما: تضخم الأرصدة النقدية، وتضخم النقود المصرفية. جـ ـ ونظرا لما للتضخم من أثر، سواء كان ذلك على توزيع الدخل القومي، أو على تقويم المشروعات، أو على ميزان المدفوعات، أو على الكفاية الإنتاجية. .. ونظرا لما تولده ظاهرة التضخم من آثار اجتماعية بحيث يزداد الفساد الإداري وتنتشر الرشوة وتزداد هجرة الكفاءات الفنية للخارج، وتزداد الصراعات بين طبقات المجتمع... كل ذلك أدى إلى الاهتمام الكبير بظاهرة التضخم، وإلى البحث عن أهم الأسباب المؤدية إليها: ففي القرن التاسع عشر كان التركيز على جانب واحد من جوانب التضخم وهو (التضخم النقدي) ( بحيث إذا ازداد عرض النقود بالنسبة إلى الطلب عليها انخفضت قيمتها، وبعبارة أخرى، ارتفع مستوى الأسعار، وإذا ازداد الطلب على النقود بالنسبة إلى عرضها ارتفعت قيمتها، وبعبارة أخرى انخفض مستوى الأسعار). ثم كانت تحليلات الاقتصادي ( كينز )، حيث ركز على العوامل التي تحكم مستوى الدخل القومي النقدي، وخاصة ما يتعلق بالميل للاستهلاك، وسعر الفائدة، والكفاءة الحدية لرأس المال. وهكذا توصل (كينز) إلى أن التضخم هو: زيادة حجم الطلب الكلي على حجم العرض الحقيقي زيادة محسوسة ومستمرة، مما يؤدي إلى حدوث سلسلة من الارتفاعات المفاجئة والمستمرة في المستوى العام للأسعار، وبعبارة أخرى تتبلور ماهية التضخم في وجود فائض في الطلب على السلع، يفوق المقدرة الحالية للطاقة الإنتاجية. وفي النصف الثاني للقرن العشرين ظهرت المدرسة السويدية الحديثة،بح يث جعلت للتوقعات أهمية خاصة في التحليل النقدي للتضخم،فهي ترى أن العلاقة بين الطلب الكلي والعرض الكلي لا تتوقف على خطط الإنفاق القومي من جهة وخطط الإنتاج القومي من جهة أخرى، أو بعبارة أدق تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار. > أهم وسائل معالجة التضخم: تختلف الوسائل حسب النظام الاقتصادي المتبع: ففي الاقتصاديا ت المتخلفة: يتم التركيز على بعض وسائل السياسة النقدية، مثل سياسة سعر الخصم، وعلميات السوق المفتوحة، وتعديل نسبة الاحتياطي القانوني.. . إضافة إلى استخدام بعض وسائل السياسة المالية، مثل فرض ضرائب على الأغنياء مع إعفاء الفقراء منها... ـ وفي الاقتصاديا ت المتقدمة: يكون التركيز على بعض وسائل السياسة النقدية، كتغيير سعر إعادة الخصم، واستخدام سياسة السوق المفتوحة، وتعديل نسبة الاحتياطي القانوني. إضافة إلى استخدام بعض وسائل السياسة المالية، كالقروض والضرائب، مع استخدام السياسة الأجرية، أي: ربط الأجر بالإنتاجية . إضافة إلى اتباع سياسة القيود المباشرة، كتثبيت الأسعار واستخدام نظام البطاقات أي تقنين السلع، ومنح الدعم... أما الاقتصاد الإسلامي، فقد ركز على بعض الوسائل التي تعالج ظاهرة التضخم، أهمها: > ـ فرض الزكاة: بحيث تؤدي إلى محاربة البطالة، والتضييق على رأس المال العاطل... > ـ تنظيم التسعير: بحيث تلغي ظاهرة السوق السوداء، وتحدد الأجور والأرباح.. > ـ الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك: وذلك عن طريق تحريم الإسلااف والتبدير، وتحريم الاستهلاك الترفي، والتوسط والاعتدال في الانفاق... > ـ تحريم الربا: بحيث تؤدي إلى تصحيحي وظيف النقود، وإلى عدم الإفراط في اشتقاق النقود، وإلى انخفاض تكلفة السلع... > ـ تحريم الاحتكار: حيث أن الاحتكار يؤدي إلى تكوين شركات احتكارية وإلى تقييد العرض وإلى ارتفاع الأسعار، وإلى فساد السريان التلقائي لقانون العرض والطلب... إذن: تبقى مشكلة التضخم ظاهرة طبيعية في الدول المتقدمة، وظاهرة مرضية في الدول المتخلفة والنامية !! الكساد اما المشكلة الثانية وهي الكساد، فنتاول بداية تعريفها، فعندما اجتاحت العالم حالة كساد كبير حدثت بطالة قاسية فكانت النتيجة مزيدا من المجاعات والبؤس، عندئذ تصدى العاالم ( كينز) لدراسة تلك الظاهرة ووضع تعريفا لتلك الظاهرة جاء فيه: الكساد أو الركود يعني: الهبوط المفاجئ للفاعلية الحدية لرأس المال بإحداثه نقصا في الاستثمارا ت وفي الطلب الفعال. كل ذلك يؤدي إلى عدم التوازن بين الادخار والاستثمار ، بحيث ينخفض الاستثمار وتقل العمالة، ويقل الدخل، ويميل الناس إلى الاكتناز، ويتراكم المخزون لدى أرباب العمل، وما إلى هنالك. أما تعريفات الاقتصاديي ن المعاصرين لتلك الظاهرة فأهمها تعريف الدكتور حازم الببلاوي الذي جاء فيه: (إن مظهر الركود الاقتصادي يتجلى في تزايد المخزون السلعي فيما بين التجار من ناحية والتخلف عن السداد للأوراق التجارية والشيكات فيما بين التجار من ناحية أخرى... وينسب هذان الأمران إلى نقص السيولة وإحجام البنوك عن تقديم الائتمان بأحجام مناسبة للقطاع الخاص. وعند الاقتصاديي ن الإسلامييي ن القدامى ـ أي الفقهاء ـ نرى ما كتبه أبو الفضل جعفر بن علي (فإن لكل بضاعة ولكل شيء مما يمكن بيعه قيمة متوسطة معروفة عند أهل الخبرة به، فما زاد عليه عليها سمي بأسماء مختلفة على قدر ارتفاعه، فإنه إذا كانت الزيادة يسيرة قيل قد تحرك السعر، فإن زاد شيئا قيل قد نفق،فإن زاد أيضا قيل ارتقى،فإن زاد قيل قد غلا، فإن زاد قيل قد تناهى، فإن كان مما الحاجة إليه ضرورية كالأقوات سمي الغلاء العظيم والمبين، وبإزاء هذه الأسماء في الزيادة أسماء النقصان، فإن كان النقصان يسيرا قيل قد هدأ السعر، فإن نقص أكثر قيل قد كسد، فإن نقص قيل قد اتضع، فإن نقص قيل قد رخص، فإن نقص قيل قد سقط السعر، وماشاكل هذا الإسم. الركود بين الاقتصادين الوضعي والإسلامي عند (كينز) هناك تفسير للمرض ـ أي الركود الاقتصادي ـ وهناك سبل لمواجهته، وتتلخص المسالة في رفع مستوى التشغيل، وذلك عن طريق رفع الاستهلاك والاستثمار ، وبالتالي فإن النخفاض سعر الفائدة يمكن أن يفيد في هذا الصدد كما وعلى الحكومة أن تعمل عل إعادة توزيع الدخول وعلى إقامة الاستثمارا ت العامة، أي: كان تركيزه على السياسة المالية. إضف إلى ذلك بعض التوصيات والاقتراحا ت الهادفة إلى الوقوف في وجه ظاهرة الكساد، منها حلول طويلة الأجل، ومنها حلول قصيرة الأجل... أما المنهج الذي وضعه الإسلام لمكافحة الكساد والركود الاقتصادي، فيمكن تلخيصه بما يلي: ـ تحريم الاكتناز: والذي يعني حبس المال عن التداول وعدم إخراج الواجب منه، وبالتالي فتحريم حبس المال وتعطيل تلك الثروة، دون أن تستثمر في مجالات الإنفاق أو الانتاج، لابد وأن يؤدي إلى مكافحة الكساد والركود الاقتصادي. ـ تحريم الربا: وذلك لأن الربا تزيد من أعداد العاطلين عن العمل، ولها تأثير سلبي على الاستثمار، ولها دور كبير في زيادة الاسعار... وقد اعترف بخطورة ذلك حتى الاقتصاديو ن الذي لا ينتسبون للإسلام (فجيسل) كان يقول: (إن نمو رأس المال الحقيقي إنما يعوقه وجود معدل فائدة نقدي مرتفع، وبالتالي لو أزيلت هذه العقبة فإن معدل نمو رأس المال الحقيقي يكون سريعا، ولا مانع أن نصل إلى معدل للفائدة يساوي الصفر في وقت قصير...!!) والاقتصادي (كينز) كان يود لو يلغى عائد إقراض رأس المال، ويرى أن معدل الاستثمار يزداد لو أن سعر الفائدة كان منخفضا،وأن من صالح المجتمع أن يهبط سعر الفائدة، بحيث يتمشى مع معدل الكفاية الحدية لرأس المال، ويستمر ذلك حتى يتحقق التوظف الكامل). ـ فرض الزكاة: بحيث يؤدي إلى إعادة توزيع الدخل، مما يجعل الفقراء في وضع معيشي أفضل، أي تؤدي إلى الميل باتجاه الرفاهية الاقتصادية . وبالتالي فالزكاة تعتمد على تناقص الميل الحدي للاستهلاك، وتزايد الميل الحدي للادخار عند الأغنياء، أما عند الفقراء فالمسألة عكسية تماما، حيث يزداد الميل الحدي للاستهلاك ويتناقص الميل الحدي للادخار، مما يؤدي إلى زيادة الطلب الفعال. وهذا جانب مهم لمعالجة مرض الركود الاقتصادي. .. أي: أن الزكاة لها تأثير على الاستهلاك، وعلى توزيع الدخل والثروة،وع لى الاستثمار، وعلى التوظيف، ونحو ذلك.... ـ إضافة إلى بعض الأمور التي وضعتها الشريعة لحل بعض المشاكل، وإذا بها تساهم في معالجة كثير من الأمراض الاقتصادية ، مثال ذلك: النذور، والكفارات ( مثل كفارة الإفطار في رمضان، وكفارة الحنث في اليمين، وكفارة القتل وما إلى هنالك..) وبالتالي فالركن الغالب في النذور والكفارات هو الصدقة وإطعام المساكين أو كسوتهم، مصداق ذلك قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة...) المائدة/89 . فالنذور والكفارات تساهم في زيادة دخل شريحة كبيرة من الفقراء والمساكين أي تزيد من الإنفاق على سلع الاستهلاك، مما يؤثر في حجم الاستثمار فيخفف من حدة الركود