تتكون لدى الفرد منا صور في ذهنه عن أشخاص وأمور معينة، وعادة ما تؤدي هذه الصور إلى إصدار أحكام قد تجانب الصواب، لأنها مبنية على هذه الصور الذهنية وليست على الواقع!
سأضرب لكم مثالا، وهو تجربة عايشتها، لَعِـبَـتْ فيها الصورة الذهنية دورا كبيرا. لكن قبل سرد القصة، سأضع مقارنة بين:
المدير القائد
يترأس بعض الموظفين يكسب اتباعاً
يتفاعل مع التغيير يعمل التغيير بنفسه
لديه أفكار جيدة يطبق الأفكار
يحكم المجموعات يقنع أتباعه
يحاول أن يكون بطلا يصنع الأبطال
يبقي على الأوضاع على ما هي عليه يرقى بالمؤسسة إلى آفاق عالية
نرى من هذه المقارنة الفرق الكبير بين تصرفات المدير والقائد. لكن في التجربة التي سأرويها تحوّل "المدير"
إلى "قائد" ليس بتصرفاته، إنما بسبب الصورة الذهنية في عقول من معه!
بطل حكايتنا شاب يشارك في أحد المراكز الشبابية. ومن عادة دولتنا الحبيبة، إقامة مسابقة ثقافية بين الأندية والمراكز الشبابية. يتكون كل فريق من اثنا عشر لاعبا، يشارك خمسة منهم فقط في كل مباراة. ويشترط أن لا يقل عمر المتسابق عن خمسة عشر سنة وألا يزيد عن خمسة وعشرين سنة. وصاحبنا هذا بدأ بالمشاركة مذ كان عمره ستة عشر سنة، وكان أصغر لاعب في الفريق، لذا غالبا ما كان يتواجد على مقاعد الاحتياط.
وتمر الأيام، ولا يحقق الفريق أي إنجازات تذكر، ويكبر اللاعبون، ويتجاوز أعمار بعضهم الخامسة والعشرون، فيتم استبدالهم بشباب جدد، وشيئا فشيئا بدأ يدخل صاحبنا في التشكيلة الأساسية للفريق. وبعد خمس سنوات، لم يبقى أي متسابق من الجيل القديم، وتكون فريق جديد شاب بقيادة بطل قصتنا.
في آخر سنتين استطاع الفريق تحقيق المركزين الثالث، ثم الثاني. أي أن على هذا الفريق الشاب إما المحافظة على المركز الثاني أو تحقيق مركز أعلى! وهذا التحدي الذي كان أمامه. ولم يكن أحد متفائل بما يمكن تحقيقه هذه السنة بهذا الفريق الشاب.
والآن.. وصلنا لما أريد تبيانه.. وهو: الصورة الذهنية.
كان أعضاء الفريق ينظرون لصاحبنا على أنه: مثقف وصاحب خبرة، وأنه "قائد ناجح". أما هو فيعلم أنه ليس كذلك. كان أعضاء الفريق يحرصون كل الحرص على تواجده في كل مباراة، وكانت ظروف عمله الذي ينتهي قبل بدء المباريات بوقت قصير، لا تمكنه من الحضور إلا متأخرا، مما يجعل فريقه في لحظات ترقب إلى حين وصوله، ومن ثم تتهلل وجوههم فرحا، أما هو فلا يرى مبررا لهذا الفرح، فثقافته ليست أفضل من ثقافة بقية اللاعبين بكثير وأي منهم بإمكانه سد مكانه.
الأهم من كل ذلك.. أن صاحبنا كان يقوم بما يقوم به المدير في المقارنة أعلاه (يترأس بعض الموظفين، يتفاعل مع التغيير، يحكم المجموعات، يبقي على الأوضاع على ما هي عليه) بينما يراه من معه بأنه يقوم بمهام القائد الناجح (يكسب اتباعاً، يعمل التغيير بنفسه، يطبق الأفكار، يقنع أتباعه، يرقى بالمؤسسة إلى آفاق عالية). إن هذه الصورة الذهنية هي التي جعلت بطلنا قائدا وليست تصرفاته.
إن تحول صاحبنا إلى قائد –في أذهان أتباعه فقط- ساعد فريقه على الظهور بحجم هذا التحدي، وإحراز المركز الأول بفضل من الله تعالى.
ثم ماذا؟! كان أول سؤال يسأله أعضاء الفريق لقائدهم: كم عمرك؟ فأجابهم: واحد وعشرون. فظهرت علامات الرضى والسرور على وجوههم وقالوا: إذن ستبقى معنا أربع سنوات أخرى إن شاء الله. وظل أعضاء الفريق يرددون أنه لولا فضل الله ثم قيادته الرائعة لهم لما حققوا النصر. وهو يعلم علم اليقين أنه لم يكن قائدا ناجحا، وإنما كان مديرا روتينيا، إلا أن "الصورة الذهنية" لديهم هي سبب هذا الاعتقاد.
أخيرا.. الصورة الذهنية في مثالنا هذا أدت إلى نتائج إيجابية، إلا إنها ليست هكذا دائما، فكثيرا ما يصدر الإنسان أحكاما خاطئة، نتيجة تأثير الصورة الذهنية عليه حينما أصدر الحكم، ولم ينظر لحقائق الأمور. لذا علينا محاولة التخفيف من الاعتماد على الصورة الذهنية لإصدار الأحكام، والاستعاضة عنها بالنظر لحقائق الأمور.