من تذكّر مصابنا، وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى، لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
.. قال: وقال الرضا (عليه السّلام):
من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمّد وآله، فإنّها تهدم الذنوب هدماً.
وقال (عليه السّلام):
الصلاة على محمّد وآله تعدل عند الله عزّ وجلّ التسبيح والتهليل والتكبير.
يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك، وكفيت الناس مؤونتك فادخل الجنّة.
ألا انّ الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفّر عليهم نعم جنان الله، وحصّل لهم رضوان الله تعالى، ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لأيتام آل محمّد الهادي لضعفاء محبّيه ومواليه قف حتّى تشفع لكلّ من أخذ عنك، أو تعلّم منك، فيقف فيدخل الجنّة ومعه فئاماً وفئاماً - حتى قال عشراً - وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمّن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين؟
ممّا أجاب الرضا (عليه السّلام) بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهنديّ وعمران الصابيّ عن مسائلهما، قال عمران: العين نور مركّبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها؟ قال (عليه السّلام):
العين شحمة وهو البياض والسواد، والنظر للروح، دليله أنّك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه، والإنسان ﻻ يرى صورته إلاّ في ماء، أو مرآة وما أشبه ذلك.
قال صباح: فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة والنظر ذاهب؟
قال (عليه السّلام): كالشمس طالعة يغشاها الظلام.
قالا: أين تذهب الروح؟
قال: ان يذهب الضوء الطالع من الكوّة في البيت إذا سدّت الكوّة؟
قال: أوضح لي ذلك.
قال: الروح مسكنها في الدماغ، وشعاعها منبثّ في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط على الأرض، فإذا غابت الدائرة فلا شمس، وإذا قطعت الرأس فلا روح.
قالا: فما بال الرجل يلتحي دون المرأة؟
قال (عليه السّلام): زيّن الله الرجال باللحى، وجعلها فضلاً يستدلّ بها على الرجال من السناء.
قال عمران: ما بال الرجل إذا كان مؤنّثاً والمرأة إذا كانت مذكّرة؟
قال (عليه السّلام): علّة ذلك أنّ المرأة إذا حملت وصار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنّثاً، وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكّرة، وذلك أنّ موضع الغلام في الرحم ممّا يلي ميامنها والجارية ممّا يلي مياسرها، وربّما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فإن عظم ثدياها جميعاً تحمل توأمين، وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلاً على أنّها تلد واحداً إلاّ أنّه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكراً، وإذا كان الأيسر أعظم كان المولود انثى، وإذا كانت حاملاً فضمر ثديها الأيمن فإنّها تسقط غلاماً، وإذا ضمر ثديها الأيسر فإنّها تسقط انثى، وإذا ضمرا جميعاً تسقطهما جميعاً.
قالا: من أيّ شيء الطول والقصر في الإنسان؟
فقال: من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارات جاء القصر، وإن استطالت جاء الطول.
قال صباح: ما أصل الماء؟
قال (عليه السّلام): أصل الماء خشية الله، بعضه من السماء ويسلكه في الأرض ينابيع، وبعضه ماء عليه الأرضون، وأصله واحد عذب فرات.
قال: فكيف منها عيون نفط وكبريت ومنها قار وملح وأشباه ذلك؟
قال: غيّره الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمراً، وكما انقلبت الخمر فصارت خلاً، وكما يخرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً.
قال: فمن أين أخرجت أنواع الجواهر؟
قال: انقلب منها كانقلاب النطفة علقة ثمّ مضغة ثمّ خلقة مجتمعة مبنيّة على المتضادّات الأربع.
قال عمران: إذا كانت الأرض خلقت من الماء والماء بارد رطب فكيف صارت الأرض باردة يابسة؟
قال (عليه السّلام): سلبت النداوة فصارت يابسة.
قال: الحرّ أنفع أم البرد؟
قال: بل الحرّ أنفع من البرد، لأنّ الحرّ من حرّ الحياة والبرد من برد الموت وكذلك السموم القاتلة الحارّ منها أسلم وأقلّ ضرراً من السموم الباردة.
وسألاه عن علّة الصلاة؟
فقال: طاعة أمرهم بها، وشريعة حملهم عليها، وفي الصلاة توقير له وتبجيل وخضوع من العبد إذا سجد، والإقرار بأنّ فوقه ربّاً يعبده ويسجد له.
وسألاه عن الصوم؟
فقال (عليه السّلام): امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده الدرجات ليعرّفهم فضل ما أنعم عليهم من لذّة الماء وطيب الخبز، وإذا عطشوا يوم صومهم ذكروا يوم العطش الأكبر في الآخرة وزادهم ذلك رغبة في الطاعة.
وسألاه لم حرّم الزنا؟
قال: لما فيه من الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، ﻻ تعلم المرأة في الزنا من أحبلها؟ ولا المولود يعلم من أبوه؟ ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة.
عن أبي الصلت الهروي قال: كان الرضا (عليه السّلام) يكلّم الناس بلغاتهم، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة. فقلت له يوماً: يابن رسول الله انّي ﻻ عجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها؟ فقال:
يا أبا الصلت أنا حجّة الله على خلقه، وما كان الله ليتّخذ حجّة على قوم وهو ﻻ يعرف لغاتهم، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين (عليه السّلام): اوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات؟