الذكر فضائله وفوائدهنعمة السمع، ونعمة البصر، ونعمة الزوجة، ونعمة الأولاد، ونعمة السكن، وهذه نعمة الصحة، وهذه نعمة العقل، وهذه نعم.. ونعم لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى:
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:58].
وهناك نعمة لا تعادلها نعمة أبداً ألا وهي نعمة الإسلام نعمة التوحيد وهو حق الله على العبيد، وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، قال تعالى:
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فنسأل الله الجواد الكريم، البر الرحيم الثبات على هذا الدين العظيم إلى أن نلقى وجهه الكريم غير مبدليين ولا محرفين.
أخي وأختي في الله: هذه رسالة محمولة على أجنحة المحبة في الله، تُذكر بأمر عظيم جليل، ربما غفل عنه بعض الإخوة والأخوات، وهو يسير على من يسره الله عليه، فكل لسان ينطقه، ويطيقه بالعربي والأعجمي، الغني والفقير، الصغير والكبير، الأبيض والأسود، يحصل له به الأجر العظيم، والجزاء الكثير إنه الخفيف على اللسان، الثقيل في الميزان، الحبيب إلى الرحمن، ألا تعلم ما هو يا أخي ويا أختي إنه: ذكر الله تعالى
قال تعالى:
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. وقال تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وقال تعالى:
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205] وقال تعالى:
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35]، وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:42،41]، وقال تعالى:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر: 7]. وقال تعالى:
الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
والآيات ولله الحمد كثيرة معلومة في كتاب الله، وأما الأحاديث فمنها:
عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:
{ سبق المفردون } قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:
{ الذاكرون الله كثيراً والذاكرات } [رواه مسلم].
وعنه
أن رسول الله
قال:
{ يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم } [متفق عليه].
وعن عبدالله بن بُسْر
أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبّث به، قال:
{ لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
عن جابر
قال: سمعت رسول الله
يقول:
{ أفضل الذكر: لا إله إلا الله } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
وعن أبي سعيد الخدري
عن النبي
أنه قال:
{ قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك به، وأدعوك به، قال: يا موسى قل لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى! لو أن أهل السماوات والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهنّ لا إله إلا الله } [رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه واللفظ له].
وعن أبي هريرة
أن رسول الله
قال:
{ من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه } [رواه مسلم].
وعن أبي أيوب الأنصاري
عن النبي
، قال:
{ من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل } [متفق عليه].
وعن معاذ
قال: قال رسول الله
:
{ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة } [رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح الإسناد]. فضل التسبيح
وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:
{ من قال سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطّت له خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر } [متفق عليه].
وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:
{ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم } [متفق عليه].
وعن ابن مسعود
قال: قال رسول الله
:
{ لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأنّ غراسها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
وعن النعمان بن بشير
قال: قال رسول الله
:
{ إنّ ما تذكرون من جلال الله: التسبيح، والتهليل، والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهنّ دويّ كدويّ النحل، تذكّر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون أو لا يزال له من يذكّر به } [رواه ابن ماجه، والحاكم في المستدرك وصححه].
وعن أبي ذر
قال: قال رسول الله
:
{ ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحبّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده } [رواه مسلم].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله
:
{ إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكةً أو عظماً عن طريق الناس، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة السّلامى فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار } [رواه مسلم].
وعن أنس بن مالك
قال رسول الله
:
{ إن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله تنفض الخطايا، كما تنفُضُ الشجرة ورقها } [رواه الإمام أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع]. فصل الحوقلة
عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله
يقول:
{ ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها } قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله
فأخلف لي خيراً منه رسول الله
[رواه مسلم].
عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:
{ من جلس في مجلس، فكثر في لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك } [رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني رحمه الله]. سيد الإستغفار
عن شدّاد بن أوس
عن النبي
قال:
{ سيد الإستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقناً بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل، وهو موقنٌ بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة } [رواه البخاري]. التحذير من ترك الذكر
أخي المسلم.. أختي المسلمة: إن الذكر من أنفع العبادات وأعظمها، والغفلة عنه شر كبير وخطر على قلب العبد، فليحذر المسلم من ترك الذكر وليرطب لسانه بذكر الله في كل وقت، وفي كل مكان، حتى إذا جاءت لحظة الفراق فإذا هو ينطق بـ لا إله إلا الله وتكون آخر كلامه، فهنيئاً لمن وفقه الله وختم له بخاتمة السعداء.
عن أبي هريرة
عن النبي
قال:
{ ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم فيه، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم } [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله].
وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:
{ ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة يوم القيامة } [رواه أبو داود بإسناد صحيح، والحاكم وصححه الألباني رحمه الله].
ذكر ابن القيّم في الجواب الكافي: ( أن العبد ليأتي يوم القيامة بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى وما اتصل به ).
وشكى رجل إلى الحسن البصري رحمه الله قسوة في قلبه فقال له: ( أذبه بذكر الله ). فوائد الذكر عموماً
وفي الذكر أكثر من مائة فائدة ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه القيّم"الوابل الصيّب" نذكر لك منها:
1) يرضي الرحمن عز وجل.
2) يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
3) يزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب له الفرح والسرور والبسط.
قال تعالى:
الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
4) يقوّي القلب والبدن، ويرسّخ الإيمان فيه ويفتح للقلب باب العلم بالله عز وجل.
5) يُنوّر الوجه والقلب.
6) يجلب الرزق، فالأذكار تفتح الأبواب.
7) يكسو الذاكر المهابة، والحلاوة، والنضرة.
8 يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة.
9) يشغل اللسان عن الغيبة والسوء وما لا ينفع إلى ما ينفع.
10) أن الملائكة تستغفر للذاكر، كما تستغفر للتائب، قال تعالى:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر:7].
11) يديم حياة القلب وبذلك يأمن النفاق بتوفيق الله جل وعلا.
12) يجعل الذاكر محبوباً لله، محبوباً لخلقه.
13) يلين القلب ويسبب الإقبال على الله، فإن الغافل في قلبه وحشة لا تزول إلا بالذكر.
14) يحط الخطايا ويذهبها، فالذكر من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
15) أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء، عرفه في الشدة.
16) أنه ينجي من عذاب الله تعالى، كما قال معاذ
ويروى مرفوعاً:
{ ما عمل آدميّ عملاً أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى } [رواه الإمام أحمد، وصححه المنذري في الترغيب، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع].
17) أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة، فإن كان مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى، كان عليه حسرة وترة يوم القيامة.
18 يسعد الذاكر بذكره، ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان، والغافل اللاغي يشقى بلغوه وغفلته، ويشقى به مُجالسه.
19) أنه أيسر العبادات، ومن أجلّها وأفضلها، فإن حركة اللسان أخف الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه، شق عليه غاية المشقة، بل لا يمكنه ذلك.
20) أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى.
21) في القلب خلة وفاقة لا يسدّها شيء البتة إلا بذكر الله عز وجل.
22) أن دور الجنة تبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
23) أن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.
24) أن الذكر سدّ بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الأعمال، كان الذكر سداً في تلك الطريق، فإذا كان ذكراً دائماً كاملاً، كان سداً محكماً لا منفذ فيه، وإلا فحسبه.
25) أنه ما استجلبت نعم الله عز وجل، واستدفعت نقمة بمثل ذكر الله تعالى، فالذكر جلاب للنعم، دافع للنقم.
26) أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى.
قال تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].
27) أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة، وشقفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.
28 أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل.
قال الله عز وجل في المنافقين:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142].
29) أنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا، ونوراً في الآخرة، فالذاكرون أنضر الناس وجوهاً في الدنيا، وأنورهم في الآخرة.
30) أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والحضر، والسفر، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن البقعة، والدار، والجبل، والأرض، تشهد للذاكر يوم القيامة.
فيا أخي المسلم ويا أختي المسلمة، ها قد علمنا بفضل الذاكرين لله عز وجل فهل نشمر عن ساعد الجد ونبدأ في المنافسة في كل خير لنحظى بالفوز بما ورد في الكتاب والسنة.. إلخ.
هذا ما تيسر جمعه في موضوع الذكر، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الذاكرين الله تعالى سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، لنفوز بالأجر العظيم من الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.