اختراق جدار الصوت
صراع الطائرة مع جزيئات الهواء
منذ ظهور الطائرات ذات المحرك عام 1903، وسرعتها في تزايد مستمر، فمن 64 كلم / ساعة ، في أول العهد بالطائرات الى 7242 كلم / ساعة ، في بعض الطائرات الحديثة . والتي نطلق عليها الطائرات الأسرع من الصوت .
يعتقد عامة الناس عندما يسمعون ، أو يقرءون عن طائرة اخترقت جدار الصوت أو حاجز الصوت ، ان الطيار استطاع ان يخترق بطائرته حاجزا ضخما، يعترض طريق الطائرات في الفضاء . والواقع انه لا يوجد مثل هذا الحاجز بالمعنى الذي يتخيله البعض .
خلال الحرب العالمية الثانية ، اكتشف الطيارون المقاتلون ، ان إعادة الطائرة ( التي كانت تعمل بمحرك ذي كباسات ) إلى وضعها الطبيعي - بعد الدخول بها في غطسة حادة ، وازدياد سرعتها لدرجة كبيرة تقترب من سرعة الصوت ، خلال الاختبارات أو عند الاشتباك مع طائرات معادية - يعتبر من الأمور الصعبة ، حيث أنها كانت تتعرض لهزات عنيفة ، تصل إلى حد فقدان التوازن وعدم القدرة على التحكم في الطائرة في بعض الاحيان .
وقد اكتسب الطيارون خبرة في التعامل مع هذه التأثيرات التضاغطية ، كما كانت تسمى آنذاك . على الرغم من عدم بلوغ أي من تلك الطائرات سرعة الصوت . ونشأ عن هذا الكفاح المستميت ، ببلوغ سرعات أكبر وأكبر، ظهور فكرة " حاجز الصوت " .
وقد قام العالم النمساوي " ارنست ماخ " خلال القرن التاسع عشر، بأبحاث حول انتقال موجات الصوت في الهواء. وتقديرا لجهود هذا العالم الجليل في هذا المجال ، فقد اتفق على تسمية سرعات الطائرة ، التي تقرب من سرعة الصوت بدلالة أرقام تسمى أرقام " ماخ " ، فعلى سبيل المثال ، اذا كانت الطائرة تنطلق بسرعة 1225.5 كلم / ساعة على مستوى سطح البحر، عندها يقال إن سرعتها تساوي 1 ماخ ، إما اذا كانت سرعة الطائرة 2124 كلم / ساعة وعلى ارتفاع 12.19 كلم عن سطح البحر، فإن سرعتها تساوي 2 ماخ ، بينما يطلق على الطيران الذي يقل عن 1 ماخ ، اصطلاح ( طيران أدنى من سرعة الصوت Sub Sonic) ، بينما يسمى الطيران بسرعات تزيد على ذلك بالطيران ( الأسرع من الصوت Super Sonic ) .
طبيعة الهواء مقاومة الضغط
يعتبر انتشار الصوت بمثابة موجة تنتشر خلال الهواء، بطريقة تماثل اتساع موجات الماء ، التي تتولد عندما يلقي احدنا حجرا في ماء ساكن . وتتناسب سرعة موجات الصوت في الهواء ، مع الجذر التربيعي لدرجة ( الحرارة المطلقة " Absolute Temperature " ) ، إذ نجد ان موجات الصوت خلال الهواء الموجود عند منسوب البحر- حيث تبلغ درجة الحرارة المتوسطة حوالى 15 درجة مئوية تنتقل بسرعة 1225.5 كلم / ساعة . ونجد كذلك ان السرعة تتناقص كلما ارتفعنا عن منسوب سطح البحر، نتيجة لانخفاض درجة الحرارة باطراد، حتى نصل الى 1112.5 كلم / ساعة ، عند ارتفاع 10.97 كلم . ونتيجة لعدم حدوث انخفاض ملموس في درجات الحرارة أعلى من هذا الارتفاع ، فإنه لا يحدث انخفاض ملحوظ في السرعة .
Mach is the ratio of aircraft True air speed " T.A.S " to the Speed of Sound
Mach = T.A.S / S.S " Speed of Sound "
36 × الجذر التربيعي لدرجة الحرارة المطلقة = S.S
لنفرض ان طائرة تطير بسرعة 0.8 ماخ , هذا يعني 80% من سرعة الصوت .
ما الذي يحدث للهواء عندما تشق الطائرة طريقها خلاله ؟ وللإجابة عن هذا السؤال : ان الهواء يسلك عند السرعات المنخفضة ، سلوكا يجعله يبدو كما لو كان غازا غير قابل للانضغاط . أو انه لا يحدث زيادة في الضغط أمام الطائرة ، التي تطير بسرعة منخفضة ، وذلك لوجود فسحة من الوقت أمام جزيئات الهواء كي تبتعد عن مسار الطائرة . ولكن مع تزايد سرعة الطائرة ، تقل تدريجيا الفرصة أمام هذه الجزيئات للابتعاد عن مسار الطائرة . فإذا وصلت سرعة الطائرة الى سرعة الصوت ، اصبحت سرعتها مماثلة لسرعة تحرك جزيئات الهواء ، عندها ينتقل هذا التضاغط للجزيئات على هيئة موجة صدم ، وحيث تتزايد مقاومة الهواء لحركة الطائرة بمعدل زمني رهيب . فإذا تعدت سرعة الطائرة هذا الحد تعين عليها بذل قدرة أكبر للتغلب على مقاومة الهواء لحركتها ، وعندها يصحب تكوّن موجات الصدم هذه ، حدوث انهيار في سريان الهواء خلف الطائرة ، يؤدي إلى تقليل فاعلية اجهزة التحكم بالطائرة ، الشيء الذي اشرنا اليه بالهزات العنيفة التي اكتشفها طيارو المقاتلات اثناء الحرب العالمية الثانية . وعندها نسمع تلك الفرقعة الهائلة المزعجة .
موجات في دوائر متتابعة
ان انتشار الموجات الناتجة عن ضغط الطائرة لجزيئات الهواء ، يحدث دائما في دوائر متتابعة ، وبانتشارها يصل الجزء الأسفل منها إلى سطح الارض ليحدث في آذاننا ذلك الأنفجار الشديد الذ ى نسمعه . شبيهة بالموجات التي تحدثها القنابل عند انفجارها .
وتكون هذه الموجات شكلا هندسيا مخروطيا حول الطائرة ، وهي تشق طريقها في الجو .
لذلك فان مرور طائرة ، تفوق سرعتها سرعة الصوت فوق المدن ينتج عنه أمر يشاهده الكثيرون ، وهو اغلاق النوافذ ، والأبواب ، والإطاحة بالأشياء الخفيفة الوزن ، وكسر زجاج النوافذ وغيرها من الأمور التي ذ كرتها من قبل.
تعتبر طائرة التجارب الامريكية " بل . اكس " أول طائرة تطير بسرعة الصوت ، حيث بلغت سرعتها " 1.06 " ماخ يوم 14 اكتوبر1947 ، إلا انه بعد أعوام قليلة تمكنت أغلب المقاتلات النفاثة تعدي سرعة 1 ماخ وذلك أثناء حركات الانقضاض .
وقد بنيت هذه المقاتلات على أساس الفكرة الألمانية الخاصة بالامتداد التراجعي للأجنحة من أجل خفض مقاومة الهواء ، رغم عدم قدرة محركاتها على اكسابها سرعة تصل إلى سرعة الصوت اثناء الطيران المستوي .
كذلك تعتبر الطائرات الاميركية من طراز " ف 100 سوبر سابر" التي ظهرت عام 1953 أول طائرة أسرع من الصوت ، حيث وصلت سرعتها الى " 1.25 " ماخ أثناء الطيران المستوي .
في أوائل عام 1975 ، كانت طائرة الاستطلاع الأميركية " لوكيهد سي ر - 71 " ، والطائرة الاعتراضية السوفياتية " ميغ - 25 " التي يطلق عليها الغرب اسم " فوكسبات "، اسرع طائرتين في العالم ، حيث يمكن لأي منهما الانطلاق بسرعة 3 ماخ (حوالى 3218 كلم / س ) على ارتفاعات تصل الى 24.38 كلم .
وفي يوم 3 أكتوبر 1967 تفوقت طائرة الأبحاث الأميركية " اكس – 15 " على ما عداها من الطائرات ، إذ حققت سرعة بلغت 6.72 ماخ (حوالى 7297 كلم / س ) .
ونتيجة لهذه الزيادة الهائلة في مقدار السرعة ، فقد ظهر اصطلاح جديد يطلق على السرعات التي تزيد على 5 ماخ أسم ( فرط صوتية Hyper Sonic ) .
وقد ظهرت عدة تصميمات حديثة للطائرات ، تهدف إلى مضاعفة قوة السحب عند السرعات المرتفعة ، مع بلوغ ارتفاعات عالية عند السرعات المنخفضة . وتتميز هذه التصميمات بالأجنحة التي يمكن تغيير شكلها الهندسي ، اذ يمكن تغيير زاوية الامتداد التراجعي بصفة مستمرة ، لتوفير أفضل كفاءة عند كل سرعة بعينها. ولا تزال الأجنحة ذات الشكل المثلث ( الدلتا ) أقل التصميمات تكلفة ، وأخفها وزنا. وقد وقع الاختيار على هذا النموذج من الاجنحة عند تصميم الطائرة السوفياتية " تي يو 144 " و " الكونكورد " البريطانية / الفرنسية الصنع وهما الطائرتان المدنيتان الوحيدتان اللتان اجتازتا سرعة الصوت .