المجازر الصهيونية خلال نصف قرن
المجازر الصهيونية المنظمة خلال نصف قرن (1948-1998)
"ان الوضع في فلسطين سيسوي بالقوى القوة العسكرية" بهذه العبارة لبن غوريون اول رئيس وزراء اسرائيلي اول رئيس وزراء اسرائيلي، اختزلت إسرائيل واصحاب القرار فيها منذ العام 1948 وحتى اللحظة ، أي بعد مرور نصف قرن على انشائها ، اهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق اهداف الحركة الصهيونية و إسرائيل وتنفيذ برامجهم التوسعية في فلسطين والمنطقة العربية ، فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي ضد اهل القرى الفلسطينية ، ابرز عنوان للتوجيهات الصهيونية والاسرائيلية ، وخصوصا لجهة حمل اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن ارضهم واحلال اليهود مكانهم. وبينما كان عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الاطلاق وغير مسلحين في الغالب، وفي وضع دفاعي ، شنت الهاغانا والارغون وشتيرن ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسية الثلاث ، حيفا والقدس ويافا ،وكذلك في الريف الفلسطيني فتمت المجازر المنظمة وتدمير المنازل ، لحمل العرب على الرحيل ، في ليلة (15) تموز / يوليو 1947، دخلت قوة للهاغاناه بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد ابو لبن ، وهو يقع بين يافا وبتاح تكفا.وكانت عائلة من سبعة اشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، واطلقت النار ، فقتلت احد عشر عربيا بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت احداهن تبلغ من العمر سبع سنوات ، والثانية ثماني سنوات ، والابن ثلاث سنوات.
وفي 29 ايلول (سبتمبر) 1947، هاجمت الهاغاناة ايضا، سوق حيفا فدمرت متجر احمد دياب الجلني بعبوات ناسفة ، وفي (12) كانون الاول / ديسمبر 1947، دخلت قوة من الارغون ترتدي بذلات عسكرية بريطانية، الطيرة من قضاء حيفا في الساحل الفلسطيني وقتلت (12) عربيا وجرحت ستة آخرين. وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة الارغون قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في مدينة القدس، فقتلت اربعة من المدنيين العرب كما جرح خمسة عشر عربيا آخر، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربيا في مدينة يافا ، في الشارع الملك جورج. واستشهد ابان ذلك ستة من العرب ، وتبعا لمعطيات احصائية. استشهد في يوم 13 كانون الاول (ديسمبر) في المدن الفلسطينية كافة من جراء المجازر الصهيونية المنظمة (21) مدنيا عربيا. وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى والمدن والخرب والمضارب الفلسطينية المختلفة، لكن المجزرة الاكبر كانت في (30) من كانون الاول /ديسمبر 1947، حين رمت جماعة من الارغون في الساحة العاشرة والدقيقة العشرين صباحا ، صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو (100) عامل فلسطيني ، كانوا واقفين امام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل اسمائهم للعمل ، وقد قتل في الهجوم ستة من العرب وجرح 46 كان بينهم (25) في حالة الخطر، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعات عن انفسهم (41) يهوديا ، كما استشهد ستة من العرب وجرح (48) يهوديا و(42) عربيا.
ويذكر ان العصابات الصهيونية ارتكبت في اثناء فترة الانتداب البريطاني 12 مذبحة، في حين ارتكبت 13 مذبحة بعدها ضد الفلسطينيين العزل ، ومن المجموع (19) مجزرة في الشمال و(3) في الوسط و (3) في الجنوب الفلسطيني.
وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها وتدمير المنازل ، والضغط على الفلسطينيين في القرى والمدن الفلسطينية كافة خصوصا خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 1948، وحتى أيار (مايو) من العام نفسه، وكان الهجوم والطوق يتم من ثلاث جهات في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهروب الفلسطينيين من المجازر الصهيونية، والحديث عنها في القرى القريبة حتى يدب الرعب في قلوب اهل القرى الفلسطينية الاخرى.
وتوجت المجازر الصهيونية والاسرائيلية فيما يعد بقتل الوسط الاولى "الكونت برنادوت" في القدس 18/9/1948، على يد العصابات الصهيونية ومن بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق اسحق شامير ، وذلك لان الوسيط الدولي حمل في تقريره الذي رفعه الى الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 16/9/1948 ، حمل إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين. وأكد ان أي تسوية لا يمكن ان تنجح دون عودتهم الى ديارهم . وبناء على تقريره ،صوتت الجمعية العامة على القرار (194).
وبشكل عام فان المجازر الصهيونية والاسرائيلية فيما بعد ادت الى التهجير القسري لنحو نصف مجموع سكان فلسطين العرب خلال الاعوام (1948ـ1949) ، فقد كان سبب تهجير 25% من سكان نحو (532) قرية وخربة عربية يعود الى الطرد المباشر والمجازر عبر القوات اليهودية ، في حين هجر 55% من سكان تلك القرى ، التي دمر منها (400) قرية ، هجر امام هجوم عسكري على القرية ، كما هجر 10% من سكان القرى العرب تحت وطأة هجوم قادم متوجه الى القرية ، أي ان الهجوم العربية تحت الضغط العسكري اليهودي شملت 89% من المهجرين العرب، في حين هجر تحت وطأة الحرب النفسية والايحاء للاهالي بهجوم قادم نحو 10% ولم تتعد نسبة التهجير من اوامر صادرة عن رئيس العائلة او المختار 1% من مجموع العرب الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم.
وموجز القول ان الهجمات العسكرية والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين في العديد من القرى والخرب الفلسطينية (دير ياسين ، قبية ، ام الفحم ، بلد الشيخ) انما هي عملية عسكرية منظمة استهدفت الطرد الجماعي للفلسطينيين وليست المجازر عمليات فردية بل انها مقدمات تخدم المتوجهات الصهيونية لإفراغ الأرض من سكانها العرب وهو الهدف الاساسي ، للمخططات الصهيونية كافة في فلسطين.
وعلى الرغم من فرض الهوية الإسرائيلية على العرب الذين صمدوا في ديارهم العام 1948، الا انهم لن يعاملوا معاملة اليهودي فقد عمدوا مصادرة اراضي العرب وأدت المواجهات من الجيش الإسرائيلي في (30) آذار (مارس) 1976 (يوم الأرض) الى استشهاد ستة اشخاص فلسطينيين من سخنين وعرابة وغيرهما من القرى الفلسطينية دفاعا عن ارشهم، واصبح يوم الأرض يوما وطنيا لكل الفلسطينيين أينما وجدوا. ولم تتوقف المجازر الصهيونية وتدمير المنازل ، فهجر 460 الف فلسطيني في العام 1967 اصبحوا نازحين خارج دياره، وفي فترة الانتفاضة الفلسطينية التي اتت ردا على وجود الاحتلال وسياساته واجراءاته ، قتلت السلطات الاسرائيلية نحو (2000) فلسطيني كما جرحت عشرات الالوف ، وقطعت آلاف الاشجار ، وصادرت نحو 60% من مساحة الضفة و40% من مساحة قطاع غزة ، واقامت (160) مستوطنة في الضفة وعشرة احياء استيطانية في القدس الشرقية و(19) مستوطنة في قطاع غزة . وفي سياق مجازرها المنظمة ، ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجزرة كبيرة في ساحة المسجد الاقصى في العام 1990، ذهب ضحيتها في العام 1993 نحو ستين فلسطينيا من المدنيين العزل. ولم تكن المجازر الاسرائيلية محصورة في فلسطين ، بل تعدت ذلك الى المناطق العربية الاخرى، وكان من اهم فصولها قصف الطيران الإسرائيلي لمنطقة قانا في لبنان التي استشهد ابانها نحو (100) من النساء والشيوخ والاطفال اللبنانيين، وذلك في مقر لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، وقد حصل ذلك على سمع ومرأى من عيون العاملين في القوات الدولية في صيف 1996. فضلا عن ذلك ارتكب الموساد الإسرائيلي مجازر عديدة داخل فلسطين وخارجها، اهمها قتل الشهداء الثلاثة في بيروت في السبعينات (ابو يوسف النجار ، كمال عدوان وكمال ناصر)، وفي العام 1988، استطاعت قوة من الموساد قتل القائد الفلسطيني ابو جهاد في تونس ، كما استطاعت قتل القائدين ابو اياد وابو الهول في تونس ايضا في العام 1991 والدكتور فتحي الشقاقي امين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في مالطا عام 1995، ناهيك عن الاغتيالات المنظمة للعديد من صفراء فلسطين ومثقفيها في الخارج، ولم تنته فصول الاغتيالات والمجازر الصهيونية الاسرائيلية ، فخلال نصف قرن من انشائها (1948 ـ 1998) ، استخدمت الدولة العبرية ، القصف والمجازر كأدوات اساسية للحفاظ على البقاء ، خصوصا ان مشكلة الامن الإسرائيلي كانت ولاتزال الشغل الشاغل لاصحاب القرار في إسرائيل ، التي اقيمت قبل خمسين عاما في ظروف دولية واقليمية استثنائية.