الونشريس للتربية و التعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الونشريس للتربية و التعليم


 
الرئيسية10أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خلق الكون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:34

خلق الكـون
آ ـ نشأة الكـون
قال الله تعالى: {وهوَ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ في سِتَّةِ أيَّامٍ وكان عَرْشُهُ على الماءِ ليَبْلُوَكُمْ أيُّكم أحسنُ عملاً..} 11 هود آية 7
وقال أيضاً: {أَوَ لَمْ يَرَ الَّذين كفروا أنَّ السَّمواتِ والأرضَ كانتا رَتْقاً ففتَقْنَاهُما وجعلنا من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون} (21 الأنبياء آية 30).
ومضات
ـ من الدلائل الكونية على عظمة الله تعالى وكمال قدرته خلق السموات والأرض.
ـ العرش والماء سابقان في الوجود للسموات والأرض.
ـ محصِّلة حقائق العلوم الكونيَّة لا تتناقض مع المعتقدات الَّتي جاء بها الدِّين الإسلامي بل تتطابق.
ـ كانت السموات والأرض كتلة واحدة، ثمَّ شاء الله تعالى انفصالها؛ لتصبح أجراماً منفصلة عن بعضها بعضاً، كلُّ جرم منها قائم بذاته، متميِّز بخصائصه، ومنفرد بدوره في تكامل الكون وإعماره وإمداد الحياة بأسباب بقائها إلى ما شاء الله.
ـ الماء هو الأصل الَّذي اختاره تعالى للحياة، وجعله عنصراً فاعلاً فيها.
في رحاب الآيات
لا يزال العلماء حتَّى يومنا هذا يبذلون الجهود المتواصلة لمعرفة أصل الكون، ويبحثون ويستقصون محاولين الردَّ على أسئلة مازالت تطرح نفسها حول سرِّ تكوينه وبداية الخليقة.
وهذه الآيات الكريمة تطوف بالعقل البشري في رحاب الكون الفسيح، الَّذي تديره يد القدرة الإلهية بحكمة بالغة، وتوقظ الغافلين عنها وعمَّا فيها من عجائب يحار بها لبُّ كلِّ ذي قلب سليم، وحسٍّ يَقِظ، وبصيرة نافذة منوَّرة. فتبدأ بالإشارة إلى أن التركيب الأساسي للفضاء وما فيه من مجموعات النجوم والمجرَّات الَّتي لا تحصى واحد، بما في ذلك المجموعة الشمسية المؤلَّفة من الشمس وتوابعها، فجميعها كانت كتلة واحدة ملتهبة ـ رتقاً ـ ثمَّ فُتقت، فانفصلت وابتعدت عن بعضها مشكِّلة بذلك النجوم والكواكب. وما أرضنا إلا واحدة منها قد غمرتها المياه فانطفأ سطحها وبرد، ثمَّ اهتزَّت فتصدَّعت وانحسر الماء عن بعضها فأصبحت صالحة للحياة.
ولابأس من الإشارة في هذا السِّياق إلى أن النظريات العلمية الصحيحة القائمة اليوم لا تتعارض مع المفهوم الإجمالي لما جاء في القرآن الكريم، ومن ذلك بيانه بأن الله تعالى قد جعل الماء أصلاً لخلق جميع الأحياء. وبناءً على هذه الحقيقة فإن العلماء يستقصون في أبحاثهم إمكانيَّة وجود الماء على الكواكب الأخرى، ليقينهم أنه حيثما يكون الماء تكون الحياة. وهذا العنصر الأساسي يحتلُّ القسم الأكبر من مساحة كوكبنا الأرضي، فإن كانت اليابسة تشكِّل حوالى الخُمْس فهو يشكِّل الباقي، ومع ذلك فهو لا يؤلِّف في الطبيعة الجماديَّة إلا جزءاً يسيراً منها، بينما يحتلُّ الجزء الأكبر في تركيب الكائنات الحيَّة، لأن جميع التفاعلات الكيماوية الَّتي ترافق الأحداث الحيوية لا تتمُّ إلا في وسـطه. ويُقسم الماء الموجود في الكائن الحي إلى قطـاعـين كبيرين: الأوَّل هو الماء داخل الخليَّة ويضمُّ حوالى 50% من وزن الجسم كلِّه، والثاني هو الماء خارج الخلية الَّذي يشمل 20% من وزن الجسم كلِّه؛ موزَّعة 5% في الدَّم و15% في الخلال الَّتي بين النسج الحيَّة، وصدق الله تعالى حين قال: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حيٍّ}.
وقد أجاب القرآن الكريم بإشارات عامَّة عن بدايات الخلق والتَّكوين، فأخبرنا بأن الله عزَّ وجل قد خلق السموات والأرض في ستَّة أيَّام حسبما اقتضت حكمته. ولكنَّ تلك الأيَّام لا تقاس بوحدتنا الزمنية المتعارف عليها، لأنها غير أيَّام الأرض، بدليل قوله تعالى: {..وإنَّ يوماً عند ربِّك كألف سنة ممَّا تعُدُّون} (22 الحج آية 47) وهذا ليس بمستبعد إذا علمنا أن علماء الفلك قد أثبتوا أن أيَّام الكواكب التَّابعة لنظام شمسنا تختلف عن أيام الأرض في طولها بحسب أجرامها وأبعادها وسرعة دورانها.
وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم التسلسل الزمني في نشأة الكون فيما أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي أن أهل اليمن قالوا: «يارسول الله! أخبرنا عن أوَّل هذا الأمر كيف كان؟ قال: كان الله قبل كلِّ شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كلِّ شيء، وخلق السموات والأرض».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:40

ب ـ خلق السموات
سورة الذَّاريات(51)
قال الله تعالى: {والسَّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ وإنَّا لَمُوسِعُون}
وقال أيضاً: {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحفوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرضُون}
ومضات
ـ تمتدُّ يـد القدرة الإلهية إلى أبعد بكثير من أن تحصيها طاقة البشر وإمكاناتهم، وكلَّما اكتشف العلماء جديداً في عالم السماء، وجدوا بأن هناك المزيد والمزيد ممَّا لم يدركوا كنهه بعد.
ـ حفظ سبحانه وتعالى الأرض من المؤثِّرات الكونية بما فيها من إشعاعات وشُهُب ونيازك بغطاء غير منظور، حفظاً لسلامتها وسلامة الجنس البشري وغيره عليها.
في رحاب الآيات
تشير كلمة موسعون في الآية الكريمة إلى استمراريَّة عمليَّة البناء إلى ما لا نهاية. أمَّا الأيدي: فتشير إلى القوَّة، والقوَّة أوضح ما يُنبئ عنه بناء السماء المتماسك المتناسق، بأي معنى من معاني كلمة السماء، سواء أكانت تعني مدارات النجوم والكواكب، أم مجموعة من المجموعات النجمية الَّتي يطلَق عليها اسم المَجَرَّة وتحوي مئات الملايين من النجوم، وسواء أشار مدلولها إلى طبقة من طبقات الفضاء الَّذي تتناثر فيه النجوم والكواكب، أم غير ذلك من مدلولات كلمة السماء. أمَّا السَّعة فهي ظاهرة، فسائر النجوم الهائلة حجماً، اللامتناهية (وفق علومنا) عدداً، لا تعدو كونها ذرَّات متناثرة في هذا الفضاء الرحيب. وهذا ما توصَّل إليه العلماء مؤخَّراً، فكلُّ الأفلاك تسبح في كونٍ فسيح ذي أطراف مترامية، وأبعاد لامتناهية، تحكم مسيرتها جميعاً قوَّة الجاذبية الَّتي نُدرك وجودها ولكن لانراها، وكأن الله سبحانه وتعالى عناها بقوله: {الله الَّذي رَفَعَ السمواتِ بِغيرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها..} (13 الرعد آية 2).
ونلمح في قوله تعالى: {وجعلنا السَّماء سَقْفاً محفوظاً} دعوة إلى تتبُّع علوم الفلك بشكل عام، وربَّما إلى دراسة طبقات الغلاف الجوي، ومنها طبقة الأوزون الَّتي تشكِّل سقفاً لحماية الأرض خاصَّةً. وتشير الآية إلى الغلاف الجوِّي للأرض للأهمِّية البالغة الَّتي أثبتها له العلم، فالإشعاعات الكهرومغناطيسية الَّتي تُصدرها الشمس، وأهمها الأشعَّة فوق البنفسجية الفتَّاكة، تفقد طاقتها عند اختراقها له، فيعكسها ولا يبقي منها إلا جزءاً يسيراً يصل إلى الأرض لننتفع به، كما يمنع وصول أصوات الانفجارات الفضائيَّة لبعض الكواكب، الَّتي يمكنها أن تودي بحياة الإنسان لعظمها، كما يشكِّل حزاماً حول الأرض كالسقف ليحفظها من الشُّهُب والنيازك، فتحترق به وتتفتَّت قبل أن تصل إليها. ومن أجل هذه المهامِّ الجليلة حفظ تعالى هذا السقف وجعله ـ جلَّت قدرته ـ حافظاً ومحفوظاً.
وإذا ما تفكَّرنا وتأمَّلنا بهذا كلِّه، وبمن ضبط وأحكم وقدَّر هذا السقف المحفوظ حول الأرض، نجد أن القرآن الكريم قد دعا إلى البحث العلمي، في شتى مجالاته، بما في ذلك العلوم الفلكية. والأمر المدهش والثَّابت اليوم هو أنه كلَّما تقدمت العلوم الفلكية وابتكر العلماء مراصدَ ذات قدرات خارقة لكشف عالم المَجَرَّات والأكوان الهائلة؛ كلَّما أُصيبوا بالذُّهول أمام اكتشافهم لعوالم جديدة لم يكونوا يعرفون عنها شيئاً.
ج ـ خلق الأرض
سورة الملك(67)
قال الله تعالى: {هوَ الَّذي جعلَ لكم الأَرضَ ذَلُولاً فامشوا في مناكِبِها وكُلُوا من رِزْقِهِ وإليه النُّشور(15)}
سورة النحل(16)
وقال أيضاً: {وألْقَى في الأَرضِ رَواسِيَ أن تَمِيدَ بكم وأَنهاراً وسُبُلاً لعلَّكم تهتدون(15)}.
ومضات:
ـ جعل الله تعالى الأرض مذلَّلة بين يدي الإنسان ليعيش عليها ويقتات من خيراتها، ويذكر أنها مجرَّد مَعْبَرٍ له للوصول إلى يوم البعث والقيامة.
ـ تتجلَّى الحكمة الإلهية في خلق الجبال في أهميتها العظيمة لحفظ توازن الأرض ومن عليها.
في رحاب الآيات
إن الناس لطول إلفتهم الحياة على هذه الأرض، ولسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها، ينسَوْن مدى الإبداع والإعجاز فيها، ويتغافلون عن نعمة الخالق في تذليلها لهم وتسخيرها لمنفعتهم. والقرآن الكريم يذكِّرهم بهذه النعمة العظيمة، ويبصِّرهم بها، في هذا التعبير الَّذي يدرك حقيقته كلُّ جيل بقدر ما ينكشف له من علم عن هذه الأرض الذَّلول. ولكي نفهم معنى كلمة (ذَلول) وكيف أن الله تعالى ذلَّل الأرض وسخَّرها للإنسان لتوفير المنافع الدنيوية له، علينا أن نجري دراسة عن حجم الأرض وتكوينها الجيولوجي، وأهمِّية دورانها حول نفسها وحول الشمس بالنسبة لاختلاف الليل والنهار، وتغيُّر الفصول على مدار العام، وكذلك ما تحتويه من خيرات وأرزاق، وما يحكمها من القوانين والأسباب لقيام الحياة على وجهها. فما إِنْ نتفهَّم أهمِّية ذلك كلِّه حتَّى ندرك عظمة الخالق المنشئ، في تذليل تلك الكتلة الجبَّارة للإنسان؛ يسرح فيها ويمرح كيفما شاء، ويزرع ويحصد، ويبني ويشيِّد، وهي بين يديه ليِّنة العريكة كالطفل المستكين الوديع. ومع ذلك فهي تبقى مملوكة أبداً لخالقها ومبدعها، يبقيها ما شاء لها البقاء، ويفنيها حين يشاء لها الفناء، ويزلزل بعضاً منها لتبتلع مدناً بكاملها، أو يأمر جوفها بالانفجار، فتثور البراكين الَّتي تدمِّر ما فوقها وما حولها، وهكذا إلى أن يحين أجلها، فتفنى وتزول إيذاناً بالبعث والقيامة. وأمام تصريف الله لملكه يبقى الإنسان صغيراً بنفسه، كبيراً بصلته الوثيقة بالله القدير المتعالي.
والنصُّ القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليَعِيَها كلُّ فرد وكلُّ جيل بالقدر الكافي، ليشعر بيد الله وهي تتولاه وتتولى كلَّ شيء حوله، والَّتي لو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختلَّ هذا الكون، وبمقدار ما يعي الإنسان هذه الحقيقة يلبِّي دعوة الرحمن بالمشي في مناكبها والأكل من رزقه فيها. والرزق هنا أوسع مدلولاً ممَّا يتبادر إلى أذهانالناس؛ إذ أنه لا يقتصر على كسب المال، وإنما يتعدَّاه ليشمل استثمار كلِّ ما أودعه الله في جوف هذه الأرض من الأرزاق المخبوءة، من معادن صلبة وسائلة وغيرها. على أنَّ الرزق مقدَّر من قبل الله بزمن محدَّد في علمه وتدبيره، فإذا انقضى هذا الزمن كان الموت، وكان النشور والرجوع، فإلى أين المصير إن لم يكن إليه؟ وكيف يكون لغيره والمُلك بيديه، ولا ملجأ منه إلا إليه، وهو على كلِّ شيء قدير؟.
وتمضي الآيات الكريمة في عرض بعض دلائل الإعجاز في الكون؛ فتقرِّر أن الجبال الرَّواسي تحفظ توازن الأرض، فلا تميد ولا تضطرب. وحفظ التَّوازن يتحقَّق في صور شتَّى، فقد يكون توازناً بين الضَّغط الخارجي على سطح الأرض والضَّغط الداخلي في جوفها، وهو يختلف من بقعة إلى أخرى. أو يكون بروز الجبال في موضع ما معادلاً لانخفاض الأرض في موضع آخر. وقد ثبت علمياً أن للجبال جذوراً في أعماق الأرض وظيفتها حماية طبقاتها من التحرُّك، وحفظ توازنها، حيث أن الطبقة الصُّلبة من القشرة الأرضية ترقد على طبقة لـيِّنة زَلِقَة ولو كان السَّطح السُّفلي للطبقة الصُّلبة مستوياً وكذا السَّطح العلوي للطبقة اللـيِّنة لانزلقت الأرض من تحت أقدامنا وبيوتنا ولَمَادَت ولما استقرَّ لنا قرار ولما صلحت الأرض للعيش عليها. وقد أثبت العلم أن الجبال مغروسة في باطن الأرض لتقوم بمهمة التثبيت كما هو شأن الوتد بالنسبة للخيمة، وما يظهر منها إلا الثُّلُث، والثُّلُثان في باطنها، وقد عبَّر القرآن الكريم عن تلك الجذور بالأوتاد في قوله تعالى: {أَلَم نجعلِ الأَرضَ مِهاداً * والجِبال أوْتَاداً} (78 النبأ آية 6ـ7).
وفي ذكر السُّبُل في الآية الكريمة وهي الطُّرُق النافذة السالكة في الجبال الَّتي تفصل بين كتلها الضَّخمة العالية؛ دلالةٌ على حكمة الصَّانع الَّذي لم يترك الجبال كتلاً هائلة من الصُّخُور والأحجار، تحجز البلدان والأمصار وتعزل البشر، بل شقَّها وجعل فيها مسالك يستطيع الإنسان السَّير عليها والانتقال عبرها من مكان إلى آخر، لينتفع في تجارته وشؤون حياته، وليتمكَّن الإنسان من إنشاء العلاقات الطيِّبة مع أخيه الإنسان في المجتمعات الأخرى، ولولا ذلك لما انتشر الناس في أرجاء الأرض، ولما استفادوا من كلِّ خيراتها.
وقد ورد ذكر الأنهار في الآية مع الجبال لتوجيه الأنظار إلى العلاقة الوطيدة بينهما لأن الجبال غالباً ما تكون بطونها مخازن للماء ومنها تتفجَّر الأنهار، لكونها مساقط الثلوج والأمطار.
وظواهر الأرض عموماً تشير بوضوح إلى أنها قد صُمِّمت لتكون صالحة ليحيا الإنسان مستريحاً على ظهرها، مستمتعاً بخيراتها، بدليل قوله تعالى: {والأَرضَ فرشْناها فنِعْمَ الماهِدُون} (51 الذاريات آية 48) والفراش هو المكان المعدُّ لاستلقاء الإنسان وراحته.
وفي ضوء هذه النُّصوص المعجزة، وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة، الهائلة المدى، في أجواء السماء، وفي آماد الأرض، وفي أعماق الخلائق، يهتف القرآن بالبشر ليتَّجهوا إلى خالق السماء والأرض، متجرِّدين من كلِّ ما يثقل أرواحهم ويقيِّدها، متحرِّرين من الأغلال الَّتي تشدُّ النفس البشرية إلى هذه الأرض، وتثقلها وتأسرها عن الانطلاق في رحاب التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد.



var staticlogo=new Image(300,100)
var imgNum=3
var ranNum=Math.floor(Math.random()*imgNum)
var imgName=new Array(imgNum)
imgName[0]="http://www.khayma.com/logs/zuwar.jpg"
imgName[1]="http://www.khayma.com/logs/i3lan.gif"
imgName[2]="http://www.khayma.com/logs/taskeen.jpg"
staticlogo.src=imgName[ranNum]
var logolink="http://www.khayma.com"
var alttext="الخيمة العربية"
var fadeintoview=1
var visibleduration=0

function regenerate(){
window.location.reload()
}
function regenerate2(){
if (document.layers)
setTimeout("window.onresize=regenerate",400)
}

var fadeset=''
if (fadeintoview)
fadeset="filter:alpha(opacity=0)"

if (document.all)
document.write('')

function bringintoview(){
if (logo.filters.alpha.opacity
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:41

ج ـ خلق الأرض
سورة الملك(67)
قال الله تعالى: {هوَ الَّذي جعلَ لكم الأَرضَ ذَلُولاً فامشوا في مناكِبِها وكُلُوا من رِزْقِهِ وإليه النشور}
سورة النحل(16)
وقال أيضاً: {وألْقَى في الأَرضِ رَواسِيَ أن تَمِيدَ بكم وأَنهاراً وسُبُلاً لعلَّكم تهتدون}
ومضات:
ـ جعل الله تعالى الأرض مذلَّلة بين يدي الإنسان ليعيش عليها ويقتات من خيراتها، ويذكر أنها مجرَّد مَعْبَرٍ له للوصول إلى يوم البعث والقيامة.
ـ تتجلَّى الحكمة الإلهية في خلق الجبال في أهميتها العظيمة لحفظ توازن الأرض ومن عليها.
في رحاب الآيات
إن الناس لطول إلفتهم الحياة على هذه الأرض، ولسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها، ينسَوْن مدى الإبداع والإعجاز فيها، ويتغافلون عن نعمة الخالق في تذليلها لهم وتسخيرها لمنفعتهم. والقرآن الكريم يذكِّرهم بهذه النعمة العظيمة، ويبصِّرهم بها، في هذا التعبير الَّذي يدرك حقيقته كلُّ جيل بقدر ما ينكشف له من علم عن هذه الأرض الذَّلول. ولكي نفهم معنى كلمة (ذَلول) وكيف أن الله تعالى ذلَّل الأرض وسخَّرها للإنسان لتوفير المنافع الدنيوية له، علينا أن نجري دراسة عن حجم الأرض وتكوينها الجيولوجي، وأهمِّية دورانها حول نفسها وحول الشمس بالنسبة لاختلاف الليل والنهار، وتغيُّر الفصول على مدار العام، وكذلك ما تحتويه من خيرات وأرزاق، وما يحكمها من القوانين والأسباب لقيام الحياة على وجهها. فما إِنْ نتفهَّم أهمِّية ذلك كلِّه حتَّى ندرك عظمة الخالق المنشئ، في تذليل تلك الكتلة الجبَّارة للإنسان؛ يسرح فيها ويمرح كيفما شاء، ويزرع ويحصد، ويبني ويشيِّد، وهي بين يديه ليِّنة العريكة كالطفل المستكين الوديع. ومع ذلك فهي تبقى مملوكة أبداً لخالقها ومبدعها، يبقيها ما شاء لها البقاء، ويفنيها حين يشاء لها الفناء، ويزلزل بعضاً منها لتبتلع مدناً بكاملها، أو يأمر جوفها بالانفجار، فتثور البراكين الَّتي تدمِّر ما فوقها وما حولها، وهكذا إلى أن يحين أجلها، فتفنى وتزول إيذاناً بالبعث والقيامة. وأمام تصريف الله لملكه يبقى الإنسان صغيراً بنفسه، كبيراً بصلته الوثيقة بالله القدير المتعالي.
والنصُّ القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليَعِيَها كلُّ فرد وكلُّ جيل بالقدر الكافي، ليشعر بيد الله وهي تتولاه وتتولى كلَّ شيء حوله، والَّتي لو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختلَّ هذا الكون، وبمقدار ما يعي الإنسان هذه الحقيقة يلبِّي دعوة الرحمن بالمشي في مناكبها والأكل من رزقه فيها. والرزق هنا أوسع مدلولاً ممَّا يتبادر إلى أذهان الناس؛ إذ أنه لا يقتصر على كسب المال، وإنما يتعدَّاه ليشمل استثمار كلِّ ما أودعه الله في جوف هذه الأرض من الأرزاق المخبوءة، من معادن صلبة وسائلة وغيرها. على أنَّ الرزق مقدَّر من قبل الله بزمن محدَّد في علمه وتدبيره، فإذا انقضى هذا الزمن كان الموت، وكان النشور والرجوع، فإلى أين المصير إن لم يكن إليه؟ وكيف يكون لغيره والمُلك بيديه، ولا ملجأ منه إلا إليه، وهو على كلِّ شيء قدير؟.
وتمضي الآيات الكريمة في عرض بعض دلائل الإعجاز في الكون؛ فتقرِّر أن الجبال الرَّواسي تحفظ توازن الأرض، فلا تميد ولا تضطرب. وحفظ التَّوازن يتحقَّق في صور شتَّى، فقد يكون توازناً بين الضَّغط الخارجي على سطح الأرض والضَّغط الداخلي في جوفها، وهو يختلف من بقعة إلى أخرى. أو يكون بروز الجبال في موضع ما معادلاً لانخفاض الأرض في موضع آخر. وقد ثبت علمياً أن للجبال جذوراً في أعماق الأرض وظيفتها حماية طبقاتها من التحرُّك، وحفظ توازنها، حيث أن الطبقة الصُّلبة من القشرة الأرضية ترقد على طبقة لـيِّنة زَلِقَة ولو كان السَّطح السُّفلي للطبقة الصُّلبة مستوياً وكذا السَّطح العلوي للطبقة اللـيِّنة لانزلقت الأرض من تحت أقدامنا وبيوتنا ولَمَادَت ولما استقرَّ لنا قرار ولما صلحت الأرض للعيش عليها. وقد أثبت العلم أن الجبال مغروسة في باطن الأرض لتقوم بمهمة التثبيت كما هو شأن الوتد بالنسبة للخيمة، وما يظهر منها إلا الثُّلُث، والثُّلُثان في باطنها، وقد عبَّر القرآن الكريم عن تلك الجذور بالأوتاد في قوله تعالى: {أَلَم نجعلِ الأَرضَ مِهاداً * والجِبال أوْتَاداً} (78 النبأ آية 6ـ7).
وفي ذكر السُّبُل في الآية الكريمة وهي الطُّرُق النافذة السالكة في الجبال الَّتي تفصل بين كتلها الضَّخمة العالية؛ دلالةٌ على حكمة الصَّانع الَّذي لم يترك الجبال كتلاً هائلة من الصُّخُور والأحجار، تحجز البلدان والأمصار وتعزل البشر، بل شقَّها وجعل فيها مسالك يستطيع الإنسان السَّير عليها والانتقال عبرها من مكان إلى آخر، لينتفع في تجارته وشؤون حياته، وليتمكَّن الإنسان من إنشاء العلاقات الطيِّبة مع أخيه الإنسان في المجتمعات الأخرى، ولولا ذلك لما انتشر الناس في أرجاء الأرض، ولما استفادوا من كلِّ خيراتها.
وقد ورد ذكر الأنهار في الآية مع الجبال لتوجيه الأنظار إلى العلاقة الوطيدة بينهما لأن الجبال غالباً ما تكون بطونها مخازن للماء ومنها تتفجَّر الأنهار، لكونها مساقط الثلوج والأمطار.
وظواهر الأرض عموماً تشير بوضوح إلى أنها قد صُمِّمت لتكون صالحة ليحيا الإنسان مستريحاً على ظهرها، مستمتعاً بخيراتها، بدليل قوله تعالى: {والأَرضَ فرشْناها فنِعْمَ الماهِدُون} (51 الذاريات آية 48) والفراش هو المكان المعدُّ لاستلقاء الإنسان وراحته.
وفي ضوء هذه النُّصوص المعجزة، وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة، الهائلة المدى، في أجواء السماء، وفي آماد الأرض، وفي أعماق الخلائق، يهتف القرآن بالبشر ليتَّجهوا إلى خالق السماء والأرض، متجرِّدين من كلِّ ما يثقل أرواحهم ويقيِّدها، متحرِّرين من الأغلال الَّتي تشدُّ النفس البشرية إلى هذه الأرض، وتثقلها وتأسرها عن الانطلاق في رحاب التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد.



var staticlogo=new Image(300,100)
var imgNum=3
var ranNum=Math.floor(Math.random()*imgNum)
var imgName=new Array(imgNum)
imgName[0]="http://www.khayma.com/logs/zuwar.jpg"
imgName[1]="http://www.khayma.com/logs/i3lan.gif"
imgName[2]="http://www.khayma.com/logs/taskeen.jpg"
staticlogo.src=imgName[ranNum]
var logolink="http://www.khayma.com"
var alttext="الخيمة العربية"
var fadeintoview=1
var visibleduration=0

function regenerate(){
window.location.reload()
}
function regenerate2(){
if (document.layers)
setTimeout("window.onresize=regenerate",400)
}

var fadeset=''
if (fadeintoview)
fadeset="filter:alpha(opacity=0)"

if (document.all)
document.write('')

function bringintoview(){
if (logo.filters.alpha.opacity
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:42

خلـق الملائكـة

سورة الأنبياء(21)

قال الله تعالى: {وقالوا اتَّخذ الرَّحمنُ وَلَداً سُبحانَهُ بل عِبادٌ مُكْرَمون(26)لا يسبِقُونَهُ بالقَوْلِ وهم بأَمْرِهِ يَعملون(27) يَعْلَمُ ما بين أيْدِيِهم وما خَلْفَهُم ولا يَشفعون إلاَّ لِمنِ ارتضى وهم من خشيته مُشْفِقُون(28) ومن يَقُلْ منهم إنِّي إلهٌ من دُونِه فذلك نَجْزِيهِ جهنَّم كذلك نَجزي الظَّالمين(29)}

ومضات:

ـ زعم بعض جاهليِّي العرب أن الملائكة هم بنات الله، وردَّ تعالى عليهم بقوله بأنهم عباد مخلوقون، مقرَّبون لديه، كرَّمهم بعبادته الدائمة المتَّصلة، الَّتي لا يشوبها زيغ أو ضلالة.

ـ الملائكة مخلوقات كسائر المخلوقات، لا تنفِّذ أمراً ولا تنجز عملاً إلا بإذن الله تعالى وإرادته.

ـ الله تعالى محيط بالملائكة، كما يحيط بسائر خلقه، فلا يغيب عنه شأن من شؤونهم.

ـ الملائكة على درجات في المقامات عند الله، وبعضهم تؤهِّله منزلته للشَّفاعة المرهونة بإذن الله عزَّ وجل ومشيئته.

ـ لا يمكن للملائكة أن يتجاوزوا حدود ما خُلقوا له، كادِّعاء الألوهية؛ لأنَّ جلال الله وعظيم هيبته يغمر كيانهم بالخشية والرَّهبة، فلا يجد الضلال والغيُّ إليهم سبيلا.

في رحاب الآيات:

لم تنحصر آيات الله في الخلق ضمن إطار المخلوقات الَّتي تدركها الحواسُّ فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى عوالم جمَّة، علمنا القليل منها وما خفي علينا أعظم {..وما أُوتِيتُـم منَ العلمِ إلاَّ قليلاً} (17 الإسراء آية 85). وقد أطْلَعَنا الله عزَّ وجل ـ بواسـطة القرآن ـ على بعضٍ من خلقه، فعرَّفنا على عوالم وكائنات ما كنَّا لنعرفها من دونه؛ ومنها الملائكة الَّتي استطعنا أن نكوِّن فكرة مجملة عنها من خلال الآيات القرآنية الكريمة، الَّتي تعبِّر إلى حدٍّ ما عن ماهيَّتهم وصفاتهم ومهامِّهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الإنسان قد عرف الملائكة منذ خلق آدم، فهم سابقون عليه بالوجود، يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {وإذ قال ربُّكَ للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأَرضِ خليفةً..} (2 البقرة آية30). فهو بيان على أنه عزَّ وجل قد أخبر الملائكة أنه سيخلق الإنسان ويستخلفه في الأرض، ولمَّا خلقه أمَرَهُم بالسُّجود له سجود تحيَّة وتكريم لا سجود عبادة وتعظيم، قال تعالى: {وإذْ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدمَ فسجدوا..} (2 البقرة آية 34).

إلا أن هذه المعرفة ما لبثت أن انحرفت وتشوَّهت مع تعاقب الأجيال والعصور، وضاعت حقيقتها مع تقادم الزَّمان، ولم يبقَ في أذهان الناس عن الملائكة سوى شتات من الحقيقة، ولقد ادَّعى بعضهم أن الملائكة بنات الله، فردَّ الله عليهم ادعاءهم وعرَّفهم بحقيقتهم في الآيات المذكورة، فأثبت لهم وصف المخلوقات المكرَّمة، العابدة لله، والعاملة بأمره دون تردُّد أو اعتراض، والوَجِلة منه الخاشعة له. ودلَّ على أنها لا تملك من الأمر شيئاً، ولا تستطيع القيام بأي عمل إلا بإذنه تعالى ورضاه؛ فهي مجبولة على الطاعة، تعمل وفق اتِّجاه الخير؛ فلا تضلُّ ولا تطغى، بل تبقى على حالٍ من العبادة لا يتبدَّل، تسجد لله وتمجِّده، ولا تعصيه طرفة عين ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، قال تعالى: {ولله يسجد ما في السَّموات وما في الأَرضِ من دابَّةٍ والملائِكَةُ وهم لا يَسْتكبِرون * يخافون ربَّهم من فوقِهم ويفعلون ما يُؤْمَرون} (16 النحل آية 49ـ50).

والملائكة مخلوقات مطهَّرة، قوامهم النُّور؛ فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «خُلِقَت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارج من نار، وخُلق آدم ممَّا وُصف لكم». وقد خصَّهم الله تعالى بمنزلة رفيعة، ووصفهم بالكرام البررة فقال: {بأيدي سَفَرة * كِرامٍ بَرَرَة} (80 عبس آية 15ـ16). وجعل الإيمان بهم جزءاً لا يتجزأ من الإيمان الشَّامل فقال: {آمن الرسولُ بمـا أُنـْزِل إليـه مـن ربّـِه والمؤمنـون كلٌّ آمن بالله وملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه..} (2 البقرة آية 285). كما جعل الكفر بهم جزءاً من الكفر المطلق فقال: {..ومن يكفرْ بالله وملائِكَتِـه وكُتُبـِه ورُسُـلِـه واليوم الآخرِ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً} (4 النساء آية 136). لذلك يتعيَّن على المسلم أن يقرن إيمانه بالله تعالى بإيمانه بوجود الملائكة كبعضٍ من خلق الله. فحقيقة وجودهم حقيقة غيبيَّة لا سبيل للإدراك البشري أن يلمسها بذاته، وبوسائله الحسيَّة والعقلية الخاصَّة به، لذلك فهو لا يملك إلا التسليم بها دون البحث فيها. وقد جاء القرآن الكريم على ذكر هذه المخلوقات اللطيفة كي يأنس قلب المؤمن بها ويعلم أنها تحفُّ به، وتشاركه إيمانه بربِّه، وتستغفر له، وتعينه على الخير. أمَّا عن أوصافهم الشكلية فنستشفُّ ذلك من آيات قرآنية وأحاديث كثيرة صحيحة دلَّت على أن الملائكة ذوو أجنحة مثنى وثُلاثَ ورُبَاع، قال تعالى: {الحمدُ لله فاطرِ السَّمواتِ والأَرضِ جاعِلِ الملائكةِ رُسلاً أُولِي أجنحةٍ مَثنى وثُلاثَ ورُباعَ يزيدُ في الخلق ما يشاءُ إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير} (35 فاطر آية 1). ومع كون الملائكة مخلوقات نورانيَّة غير مرئية للعيان، فإن الله عزَّ وجل قد منحهم القدرة على التشكُّل، والظُّهور بمظهر الأجسام الكثيفة المختلفة، قال تعالى: {فاتَّخذتْ من دونِهِمْ حجاباً فأَرْسلنا إليها رُوحَنا فَتَمثَّل لها بشراً سَوِيّاً} (19 مريم آية 17)، وكلمة روحنا تشير إلى الملَك الكريم.

وللملائكة مهامٌّ جليلة أوكلها الله إليهم، وكلَّفهم القيام بها، منها:

ـ النزول بالوحي على الأنبياء، قال تعالى: {نَزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ * على قلبك لتكون من المنذرِين} (26 الشعراء آية 193-194). وقد ثبت أن الموكَّل بهذه الوظيفة هو جبريل عليه السلام سفير الله إلى أنبيائه بقوله تعالى: {قُلْ من كَان عَدُوّاً لجبريلَ فإنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلبكَ بإذن الله مُصَدِّقاً لما بَينَ يديه..} (2 البقرة آية 97).

ـ التسبيح لله وطلب الاستغفار للخلق ومشاركتهم الثَّناء على الله، قال تعالى: {..والملائكةُ يُسبِّحون بحمد ربِّهم ويستغْفِرون لمن في الأَرضِ..} (42 الشورى آية 5)، وأخرج ابن أبي شيبة عن مُصْعَب بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال العبد: سبحان الله، قالت الملائكة: وبحمده. وإذا قال: سبحان الله وبحمده، صلُّوا عليه»، وصلاة الملائكة على المؤمن دعاءٌ له واستغفار.

ـ الدعاء والتشريف للرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم بياناً لفضله وعلوِّ مقامه، قال تعالى: {إنَّ الله وملائكَتَهُ يصلُّون على النَّبي ياأيُّها الَّذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما} (33 الأحزاب آية 56).

ـ التعاقب في الناس بالليل والنهار، مع عدم التَّقصير في حفظ شؤونهم وأعمالهم. وقد سمَّى الله تعالى الملائكة الَّذين أوكل إليهم هذا الأمر بالمعقِّبات والحفظة، فقال: {له مُعَقِّباتٌ من بين يديه ومن خَلْفِه يحفظونه من أمر الله..} (13 الرعد آية 11)، وقال: {وهو القاهرُ فوق عبادهِ ويُرسِلُ عليكم حَفَظةً..} (6 الأنعام آية 61)، وقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» (أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ).

ـ تسجيل أعمال المكلَّفين وتصرُّفاتهم، ونسخها وإحصاؤها في كتاب مبين، وقد أوكل الله تعالى بكلِّ إنسان ملكين كريمين يحصيان عليه جميع أعماله خيرها وشرِّها، وكلٌّ منهما رقيب عتيد أي مراقب مهيَّأ للكتابة، أحدهما يكون عن يمينه يحصي له ما يكسبه من حسنات، والثاني عن شماله يحصي عليه ما يكتسبه من سيِّئات، قال تعالى: {إذ يتلقَّى المُتلقِّيان عن اليمين وعن الشِّمال قَعِيدٌ * ما يلفظُ من قولٍ إلاَّ لديه رقيبٌ عتيد} (50 ق آية 17ـ18).

ـ قبض الأرواح عند انتهاء الآجال، قال تعالى: {قلْ يَتَوَفَّاكم مَلَكُ الموتِ الَّذي وُكِّلَ بكم ثمَّ إلى ربِّكم تُرجَعون} (32 السجدة آية 11). ولملَك الموت أعوان من الملائكة وردت تسميتهم في القرآن بالرسل، قال تعالى: {..حتَّى إذا جاء أَحَدَكُم الموتُ تَوفَّته رُسُلنا وهم لا يُفَرِّطون} (6 الأنعام آية 61). وقال ابن عباس رضي الله عنه وغيره: (لملك الموت أعوانٌ من الملائكة يُخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم).

ـ رعاية أهل الجنَّة، وقد أطلق القرآن الكريم على الملائكة الَّذين يقومون بهذه الوظيفة اسم (الخزَنة)، قال تعالى: {وسيقَ الَّذين اتَّقَوا ربَّهم إلى الجنَّة زُمَراً حتَّى إذا جاؤُوها وفُتِحت أبوابها وقال لهم خَزَنتها سلام عليكم طِبْتم فادخلوها خالدين} (39 الزمر آية 73).

ـ القيام بشؤون النار وأهلها، وقد أطلق القرآن الكريم على الملائكة الَّذين أقامهم الله تعالى على هذا الأمر اسم (الزَّبانية)، قال تعالى: {فليَدْعُ ناديَه * سَنَدْعُ الزَّبانية} (96 العلق آية 17ـ18). ولهؤلاء الملائكة طبيعة خاصَّة تؤهِّلهم لهذه المهمة، ففي قلوبهم قسوة وغلظة، تمكِّنهم من تنفيذ أوامر الله تعالى بتعذيب العاصين المستهترين من غير أن تأخذهم بهم رأفة أو شفقة، قال تعالى: {..عليها ملائكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصُوْن الله ما أَمَرَهُم ويَفْعَلون ما يُؤْمَرون} (66 التحريم آية 6).

ـ حَمْلُ العرش، ولعل هذه المهمَّة بعد مهمَّة أمانة الوحي وسفارة السماء إلى الرسل والأنبياء تكون من أجلِّ المهامِّ الموكَّلة إلى بعض الملائكة، ولذلك فقد خُصَّ هؤلاء الحملة بمنزلة قدسِيَّة رفيعة، سنعرض لها بالشَّرح والتفصيل من خلال إلقاء الضوء على النص القرآني التالي:

سورة غافر(40)

قال الله تعالى: {الَّذين يَحمِلونَ العرشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسبِّحون بحمدِ ربِّهم ويُؤْمِنون به ويَستَغفِرون للَّذين آمنوا ربَّنا وسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلْماً فاغفر للَّذين تابوا واتَّبعوا سبيلك وقِهِمْ عَذابَ الجَحيم(7) ربَّنا وأَدْخِلهُم جنَّاتِ عَدْنٍ الَّتي وعدتَّهم ومن صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذُرِّيَّاتهم إنَّك أنت العزيز الحكيم(Cool وقِهِمُ السَّيِّئاتِ ومن تَقِ السَّيِّئاتِ يَومئذٍ فقد رَحِمْتَه وذلك هو الفوز العظيم(9)}

ومضات:

ـ إن من أقدس المخلوقات النورانية وأكثرهم خشية لله تعالى الملائكة الأطهار الَّذين يحملون العرش ويطوفون حوله، وهم يسبِّحون الله ويمجِّدونه ويرتشفون من أنوار قدسه، غارقين في لذَّة الصلة وحلاوة الطاعة، يتذكَّرون عباد الله المؤمنين، وقد علموا بما علَّمهم الله؛ بطبيعة البشر من عدم عصمتهم من الخطأ، فيسألونه تعالى المغفرة لذنوبهم مستشفعين لهم بصالح أعمالهم الَّتي تدلُّ على أنهم قد اهتدوا، وغيَّروا منهج حياتهم بما يرضي الله، علَّهم ينالون بذلك المغفرة ويظفرون بالنعيم المقيم، جنباً إلى جنب مع أقاربهم وذريَّاتهم الَّذين صلحت أعمالهم، ليلتئم شمل الجميع، في رحاب النعيم الأبدي، الَّذي وعد الله به المؤمنين الموحِّدين.

ـ الدعاء للمؤمنين وطلب المغفرة لهم هو أحد المهامِّ الَّتي أناطها تعـالى بالملائكة، وهذا من عظيم فضله وسعة جوده.

في رحاب الآيات:

إن حملة العرش ومن حوله هم من أكرم الملائكة، ممَّن لا يحصي عددهم إلا الله، وهم في عبادة دائمة له، يسبِّحونه وينزِّهونه عن أي نقص، ويثنون عليه بصفات الكمال، ويوحِّدونه ويقرُّون بأنه لا إله سواه، متذللين غير مستكبرين. وفي غمرة عبادتهم واستغراقهم في تسبيح الله وتمجيده، لا ينسون المؤمنين الصادقين، بحكم رابطة الإيمان بينهم، فيطلبون لهم المغفرة قائلين: {ربَّنا وسِعتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً} أي ياربَّنا لقد وسعت رحمتك وعلمك كلَّ شيء فاشمل بفضلك ورحمتك أولئك المؤمنين.

وقد أقرَّ الملائكةُ لله عزَّ وجل في دعائهم هذا بثلاث صفات: الرُبوبيَّة، والرَّحمة، والعلم. وفي هذا الإقرار قبل الدعاء تعليم لنا وتوجيه لنعرف أدب السؤال، فهم يبدؤون دعاءهم بالثَّناء، ويستمطرون إحسانه وفضله وإنعامه، ويسألونه الصَّفح عن المؤمنين المذنبين، التائبين عن المعاصي، المتَّبعين سبيل الحق الَّذي جاء به أنبياؤه ورسله، ويرجونه أن يحفظهم من عذاب جهنَّم وأن يصرفه عنهم، ثمَّ يرتقون في الدعاء إلى سؤال الجنَّة، واسـتنجاز وعد الله لعباده الصالحين، فيدعون الله تعالى أن يُتمَّ سرور هؤلاء المؤمنين بجمعهم مع من صلح من آبائهم وأزواجهم وذريَّاتهم في الجنَّة، وإن تفاوتت درجاتهم. وفي هذا إشارة إلى عظيم فضل الله وإحسانه، حيث جعل بركة الرجل الصالح تعمُّ لتشمل أهله؛ فيلحَق الأبناء بالآباء في المنزلة وإن كانت أعمالهم لا تؤهِّلهم لبـلوغ تلك المنزلة. روى الطبراني في هذا عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل الرجل الجنَّة، سأل عن أبويه وزوجته وولده؛ فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: ياربُّ قد عملتُ لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به». ويؤيِّد هذا قول الله تعالى: {والَّذين آمنوا واتَّبَعتْهم ذُرِّيَّتهم بِإيمانٍ أَلْحقنا بهم ذُرِّيَّتهم وما أَلَتْناهُم من عملهم من شيءٍ كلُّ امرِئ بما كَسب رهينٌ} (52 الطور آية 21).

ثمَّ تدعو الملائكة قائلة: ياربَّنا إنك أنت العزيز الَّذي لا يُغلب، والقوي الَّذي لا يمتنع عليه شيء، والحكيم الَّذي لا يفعل إلا ما فيه المصلحة لعباده المؤمنين، فاصرف عنهم عاقبة سيِّئاتهم الَّتي كانوا قد أتوها قبل توبتهم، ولا تؤاخذهم فتعذِّبهم بها، فمن تَصْرِف عنه سوء عاقبة ما اجترح من الآثام، يوم القيامة، فقد رحمته ونجَّيته من عذابك. ذلك هو الفوز العظيم الَّذي لا مطمع وراءه للطامعين، فقد وجدوا بأعمال منقطعة نعيماً لا ينقطع، وحازوا بأفعال قليلة مُلكاً لا ينفد، عطاءً من ربٍّ كريم لا تبلغ العقول كنه جلاله وجماله، فسبحان الله عمَّا يشركون!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:42

خلق الجن
سورة الرحمن(55)

قال الله تعالى: {وخَلقَ الجانَّ من مارجٍ من نار(15)}.
تدلُّ هذه الآية الكريمة دلالة قطعيَّة على وجود الجنِّ كمخلوقات حية ذات منشأ يختلف عن منشأ الإنسان، فإذا كان الإنسان قد خُلق من تراب فإن الجانَّ ـ ببيان الله تعالى ــ قد خُلقوا من مارج من نار. والمارج: هو الشعلة الصاعدة ذات اللهب الصافي الَّذي لا دخان فيه، المختلط الألوان. والمصدر الموثوق الوحيد لبيان خلق الجان هو ما جاء به الوحي من خبر الله الصادق، لأن حقيقة خلقهم خارجة عن حدود العلوم البشرية.
وللجانِّ قدرة على الحياة في هذه الأرض بالمشاركة مع الإنس، ولكننا لا ندري عن نمط معيشتهم شيئاً، وهم مخاطَبون ومعنيُّون بهذا القرآن، الَّذي ورد ذكرهم فيه وفي أكثر من موضع، موضِّحاً جوانبَ من حقيقتهم وبعضاً من صفاتهم، وأهمُّها:
ـ قابليَّتهم للعلم والمعرفة، وحريَّتهم في الاختيار؛ فهم مكلَّفون بالإيمان والعبادة، مَنهِيُّون عن الكفر والعصيان، كالإنس، قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسْلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُوْنَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا...} (6 الأنعام آية 130)، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (51 الذاريات آية 56)؛ فمن آمن من الجنِّ وأسلم فلا خوف عليه وقد تحرَّى رشداً، قال تعالى: {وَأنَّا لَـمَّا سَـمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِه فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً * وَأَنَّـا مِنَّا المُسْلِمُونَ وَمِنَّا القَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرُّوا رَشَـداً} (72 الجن آية 13 ـ 14)، ومن كفر منهم وعدل عن طريق الحقِّ، كان مآله إلى جهنَّم، قال تعالى: {وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} (72 الجن آية 15).
ـ التَّناسل والتَّوالد، بدليل قوله تعالى: {..أفتتَّخِذونه وذرِّيَّته أولياءَ من دوني وهم لكم عدوٌّ بِئْس للظَّالمين بَدَلاً} (18 الكهف آية 50) والذريَّة تقتضي التناسل، كما أخبر القرآن الكريم أنَّ فيهم رجالاً، ومتى كان فيهم الرجال ففيهم أيضاً النساء، وهذا يقتضي التناسل أيضاً، قال تعالى: {وأنَّه كان رِجالٌ منَ الإنس يعوذون برِجالٍ منَ الجنِّ فزادوهم رَهَقاً} (72 الجن آية 6).
ـ رؤيتهم لنا من حيث لا نراهم، وليس هذا بعجيب، فمن كان بيده منظار رأى الشخص البعيد دون أن يراه ذلك الشخص، وكذلك جهاز التلفاز الَّذي نرى المتحدِّث فيه ولا يرانا، قال تعالى: {..إنَّه يراكُم هوَ وقَبيلُه من حيث لا تَرَونهم إنَّا جعلنا الشَّياطين أولياءَ للَّذين لا يُؤمنون} (7 الأعراف آية 27). ولا شكَّ أن مردَّ ذلك إلى اختلاف في طبيعة التكوين حيث أن أبصارنا عاجزة عن رؤية ما عدا المخلوقات الكثيفة.
ـ قدرتهم على القيام بالأعمال الخارقة، والصناعات البديعة، والأشغال الَّتي يعجز البشر عن القيام بمثلها، كما أن لهم القدرة على التشكُّل بالأشكال الجسمانية الَّتي يمكن أن يراها البشر. فقد أخبر القرآن الكريم أن الله قد طوَّع الجنَّ لنبيِّه سليمان عليه السلام، وسخَّرهم له فشيَّدوا له الأبنية الضخمة، وعملوا له الصناعات الفنية، وجلبوا إليه الأحمال الثقيلة من مسافات بعيدة وبوقت قليل، وغير ذلك من الأعمال الَّتي يعجز البشر عن القيام بها، قال تعالى ممتنّاً على نبيِّه سليمان: {فسخَّرْنا له الرِّيحَ تجري بأمره رُخَاءً حيث أصاب * والشَّياطين كلَّ بنَّاءٍ وغوَّاصٍ} (38 ص آية 36ـ37). وقال أيضاً: {يعملون له ما يشـاءُ من محارِيبَ وتماثيل وجِفانٍ كالجَوَابِ وقُدُورٍ راسـياتٍ...} (34 سـبأ آية 13).
وفي قصَّة جلب عرش بلقيس دليل على قدرتهم على القيام بالأعمال الخارقة، وفي هذا يقول تعالى: {قال عفريتٌ منَ الجنِّ أنا آتيك به قبل أن تقومَ من مَقامك وإنِّي عليه لَقويٌّ أمين} (27 النمل آية 39).
وفي القرآن الكريم سورة كاملة تسمى سورة (الجن)، تُعرض فيها قصَّة نفر من الجن استمعوا إلى تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من آيات كتاب الله، فآمنوا به وهُرِعُوا إلى قومهم مبشِّرين ومنذرين، قال تعالى: {قلْ أُوحِيَ إليَّ أنَّه اسْتَمع نفرٌ منَ الجنِّ فقالوا إنَّا سَمِعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرُّشدِ فآمنَّا به ولن نُشرِك بربِّنا أحداً} (72 الجن الآية 1ـ2). وفي هؤلاء النَّفر نزل أيضاً قوله تعالى:
سورة الأحقاف(46)

{وإذ صَرَفنا إليك نفراً منَ الجنِّ يَسْتمِعون القرآن فلمَّا حَضَرُوه قالوا أَنصِتوا فلمَّا قُضيَ وَلَّوا إلى قومهم منذرين(29) قالوا يا قومنا إنَّا سَمِعنا كتاباً أُنزِل من بعد موسى مُصدِّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ(30) يا قومنا أَجِيبُوا داعيَ الله وآمنوا به يَغفرْ لكم من ذُنوبكم ويُجِرْكُم من عذابٍ أليم(31) ومن لا يُجبْ داعيَ الله فليس بمعجزٍ في الأَرضِ وليس له من دونهِ أولياءَ أُولئك في ضلالٍ مبينٍ(32)}
/ ومضات:
ـ شاء الله تعالى أن يستمع وفد من الجنِّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آيات من كتاب الله، فجلسوا منصتين بتفكُّر واعتبار؛ حتَّى أدركوا أهمِّية ما سمعوا، وبدا عليهم التأثُّر الشديد به، فأسرعوا إلى قومهم يخبرونهم بهذا الحدث العظيم، وقصُّوا عليهم أنهم سمعوا قرآنا يوافق ويصدِّق ما أُنزل على موسى، يُشِعُّ بنور الهداية، وتحمل تعاليمه البُنَى الأساسية للطريق الموصل إلى الحق والسعادة.
ـ دعوة هؤلاء النَّفر أقوامهم وترغيبهم بالاستجابة لهذه الدعوة المباركة تعتبر دليلاً عملياً على شدة تأثرهم. لقد آثروا الإيمان بها تصديقاً وعملاً، لينالوا المغفرة، ويُثابوا بالأمن من عذاب الله. كما أنذروا أقوامهم بأنَّ من يُعرِض أو يتخلَّف عن الاستجابة لنداء الله، فإنه لن يجد قوَّة تحميه وتنجيه منه، وليس له من وليٍّ ولا نصير، وهو في متاهات الضياع مشرَّد محزون.
/ في رحاب الآيات:
يؤمن المسلمون بوجود مخلوقات غير مرئيَّة تعيش في الكوكب الأرضي يُسَمَّوْن بالجنِّ، وهم يعيشون من حولنا دون أن يملكوا القدرة على التصرُّف أو التدخُّل في أمورنا. وبعض هؤلاء الجن يؤمنون بالله وبالرِّسالات السماوية، أمَّا بعضهم الآخر فكافرون قد جنَّدوا أنفسهم أعواناً لإبليس. وقد قدِّر لجماعة من الجن أن يستمعوا القرآن يُتلى من فم الرسول عليه السلام، فكان هذا تدبيراً من الله تعالى وليس مصادفة عابرة، ليعلموا بنبأ تلك الرِّسالة فيؤمنوا بها وينجوا بذلك من النار المعدَّة لشياطين الجنِّ والإنس.
والنصُّ القرآني السابق ينقل لنا صورة هؤلاء النَّفر وهم يستمعون القرآن، ويبيِّن ما وقع في رَوْعهم من التأثُّر والرَّهبة والخشوع بعد سماعه، فعندما حضروه قالوا: {أنصتوا}، ومن البدهي أنه لا يمكن لأحد أن يعي ما يستمع إليه، ما لم ينصت بإمعان وتدبُّر ورويَّة، فكيف بكتاب الله؟ وحالما أنصتوا إليه آمنوا، وبمجرَّد إيمانهم هُرِعُوا إلى قومهم منذرين ومعلِّمين ناصحين، وهذا حال المؤمن الصادق في سرعة التبليغ. وفي هذا تعزية للرسول عليه السلام على ما لقيه في ذلك الحين من صدود أهل الطائف وإعراضهم عن دعوته وإيذائهم له، وإعلام له بأن الله لا يخذل رسله، فإن أعرض المعرضون عن كتابه وعن نبيِّه استكباراً وحسداً، أو بغياً وجهلاً، فإن السُّعداء الموفَّقين يستجيبون حُبّاً وتصديقاً، وإيماناً ومعرفة.
ولعل هذا ما يفسِّر استجابة الكثير من الغربيين وغيرهم للإسلام في عصرنا الحالي. فما كان إقبالهم على هذا الدِّين وإيمانهم به إلا نتيجة قراءتهم للقرآن الكريم قراءة التَّمعن والتبصُّر، والدراسة الكلِّية الجادة؛ فكانت سبباً في اختراق النور الإلهي إلى أعماق قلوبهم، فاهتدوا بهدي الله وآمنوا برسالة نبيِّه محمَّد صلى الله عليه وسلم .
ثمَّ وَلَّى الجنُّ إلى قومهم مسرعين بعد أن أدركوا الصِّلة بين التَّوراة والقرآن بمجرَّد سماعهم لبعض آياتٍ منه، ربَّما لم يكن فيها ذكر لموسى عليه السلام أو لكتابه، إلا أنَّ طبيعتها توحي بأنها تصدر من النَّبع ذاته الَّذي فاض منه كتاب موسى. وشهادة هؤلاء الجن ذات دلالة واضحة على صدق إيمانهم، فقد قالوا لقومهم: ياقومنا! إنا سمعنا كتاباً أنزله الله بعد توراة موسى، يصدِّق ما قبله من كتب الله الَّتي أنزلها على رسله، ويرشد إلى سبيل الحق السوي، وإلى رضا الله تعالى.
لقد عرفوا أن الإيمان والاستجابة لله يُتَوَّجان بغفران الذَّنْب والنَّجاة من العذاب، فاستبشروا وبَشَّروا بالَّذي عرفوه، بعد أن أيقنوا أن نزول هذا الكتاب إلى الأرض إنما هو دعوة من الله لكلِّ من بلغهُ من إنس وجن، وأدركوا أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم داعٍ إلى الله؛ فنادَوْا قومهم: {ياقومنا أجيبوا داعيَ الله وآمنوا به} ليقينهم أنَّ من لا يُجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما دعا إليه من التوحيد والعمل بطاعته، فليـس بمنجاة من عـذاب الله حين يشاء عقابه، ولن يجد له من ينصره ويدفع عنه العذاب، بعد أن بلغ الغاية في الضلال والبعد عن الصِّراط السَّوي. فطريق الحقِّ واضح، والوصول إليه ميسور لمن يقصده، وقد أثِمَ مَنْ جانَبَهُ وأعرض عنه، وكذلك يأثم من عرفه وقصَّر في الدلالة عليه.




var staticlogo=new Image(300,100)
var imgNum=3
var ranNum=Math.floor(Math.random()*imgNum)
var imgName=new Array(imgNum)
imgName[0]="http://www.khayma.com/logs/zuwar.jpg"
imgName[1]="http://www.khayma.com/logs/i3lan.gif"
imgName[2]="http://www.khayma.com/logs/taskeen.jpg"
staticlogo.src=imgName[ranNum]
var logolink="http://www.khayma.com"
var alttext="الخيمة العربية"
var fadeintoview=1
var visibleduration=0

function regenerate(){
window.location.reload()
}
function regenerate2(){
if (document.layers)
setTimeout("window.onresize=regenerate",400)
}

var fadeset=''
if (fadeintoview)
fadeset="filter:alpha(opacity=0)"

if (document.all)
document.write('')

function bringintoview(){
if (logo.filters.alpha.opacity
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:47

خَلْقُ الإنسان

آ ـ نشأة الإنسان:
سورة الحج(22)

قال الله تعالى: {ياأيُّها النَّاسُ إن كنتم في ريبٍ منَ البعثِ فإنَّا خَلقْناكم من تُرابٍ ثمَّ من نُطفةٍ ثمَّ من عَلَقةٍ ثمَّ من مُضغةٍ مُخَلَّقةٍ وغيرِ مُخلَّقةٍ لِنُبيِّن لكم ونُقِرُّ في الأرحام ما نشاءُ إلى أجلٍ مسمَّى ثمَّ نُخْرِجُكُم طِفلاً ثمَّ لِتَبلغوا أشُدَّكم ومنكم من يُتَوفَّى ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أَرْذلِ العُمُرِ لكيلا يَعْلَمَ من بعد عِلْمٍ شيئاً وترى الأَرضَ هَامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَت وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيج(5)}
سورة المؤمنون(23)

وقال أيضاً: {ولقد خَلَقْنا الإنسان من سُلالةٍ من طين(12) ثمَّ جعلناه نُطفةً في قرارٍ مَكِين(13) ثمَّ خَلَقْنا النُطفةَ عَلقةً فخَلَقْنا العَلَقةَ مُضغةً فخَلَقْنا المُضغةَ عِظاماً فكسونا العِظام لحماً ثمَّ أنشأناه خَلْقاً آخرَ فتباركَ الله أَحْسَنُ الخَالقين(14) ثمَّ إنَّكم بعدَ ذلك لميِّتون(15) ثمَّ إنَّكم يومَ القيامة تُبعثون(16)}
/ ومضات:
ـ نتبيَّن من الآيات الكريمة أن الله تعالى خلق آدم من موادَّ متوافرة في التراب، ثمَّ توالت عملية الخلق لهذا النموذج الإنساني بعد أبي البشرية آدم ـ عليه السلام ـ بواسطة الحيوان المنوي، الَّذي يحمل في مركَّباته كلاً من الصفات والمورِّثات الإنسانية، الَّتي تنتقل من الآباء إلى الأبناء ـ وعلى مرِّ الأجيال ـ لحفظ النوع الإنساني وتكاثره.
ـ تمرُّ النطفة في رحم الأمِّ بمراحل تكوينية بالغة في الإعجاز إلى أن يأخذ الجنين صورته الإنسانية الكاملة، وقد صوَّر القرآن الكريم تلك المراحل بدقَّة، استطاعت اكتشافات العلم المعاصر أن تتوصل إليها مؤخَّراً، متخلِّفة عما أثبته القرآن الكريم قروناً متطاولة.
ـ كما يمرُّ الجنين في رحم أمِّه بمراحل مختلفة إلى أن يصبح وليداً، فإنه يعيش حياته الثانية كذلك، ويمرُّ فيها بأطوارٍ تتراوح ما بين طفولة بريئة.. وشباب متوقِّد.. وشيخوخة متردِّية عند بعضهم.. وهكذا إلى أن تنتهي دورة الحياة هذه.
ـ يُبعث الإنسان يوم القيامة حيّاً بعد موته، كما تحيا البذور بالماء بعد زرعها، وهذا من إعجاز الله تعالى وقدرته على الإحياء بعد الإماتة، وهو الخالق القدير.
/ في رحاب الآيات:
الإنسان ابن هذه الأرض، من ترابها نشأ، وفوقه عاش ومنه تغذَّى، وكلُّ عنصر في جسمه له نظيره في عناصر أمِّه (الأرض) {والله أنْبَتَكم من الأَرضِ نباتاً} (71 نوح آية 17)، اللهم إلا ذلك السرَّ اللطيف الَّذي أودعه الله ونفخه فيه وهو الروح، قال تعالى: {..وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوْحِي...} (15 الحجر آية 30).. وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان يحتوي ما تحتويه الأرض من عناصر؛ فهو يتكوَّن من الكربون، والأوكسجين، والهيدروجين، والفوسفور، والكبريت، والآزوت، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكلور، والمغنزيوم، والحديد، والمنغنيز، والنحاس، واليود، والفلورين، والكوبالت، والزنك، والسلكون، والألمنيوم، وكلُّ هذه العناصر هي العناصر نفسها المكوِّنة للتراب أيضاً، وإن اختلفت نسبها بين الإنسان والتُّراب، ومن إنسان لآخر. كذلك فإن نسبة الماء من جسم الإنسان، تعادل نسبة البحار إلى اليابسة في الكرة الأرضية، وهذا مايؤكد خلق آدم من تراب الأرض. وهكذا فإن التُّراب هو الطَّوْر الأوَّل والإنسان هو الطَّوْر الأخير، وهذه الحقيقة نعرفها من القرآن، ولا نطلب مصداقاً لها من النظريَّات العلمية الَّتي تبحث في نشأة الإنسان، أو نشأة الأحياء.
والقرآن يقرِّر هذه الحقيقة ليجعلها محلاً للتدبُّر في صنع الله والتأمُّل في النُّقلة البعيدة بين التراب والإنسان المنحدر في نشأته من ذلك التراب، وبعض النظريَّات العلمية تحاول إثبات سلَّم معيَّن للنُّشوء والارتقاء لوصل حلقات السلسلة بين الحيوان والإنسان، وفي هذا حطٌّ من قدر الإنسان، ولكنَّ القرآن يكرِّم الإنسان ويقرِّر أن فيه نفخة من روح الله هي الَّتي جعلت من سُلالة الطِّين إنساناً، ومنحته خصائص ميَّزته عن غيره من المخلوقات.
لقد جرت سنَّة الله أن يتم تناسل الإنسان وتكاثر أفراده، عن طريق دفقة مائيَّة تخرج من صلب الرَّجُل وتشقُّ طريقها لتثبت في الرَّحم، الغائرة بين عظام الحوض؛ الَّتي تحميها من التأثُّر باهتزازات الجسم، ومن كثيرٍ ممَّا يصيب ظهر الأم وبطنها من كدمات واهتزازات.
أمَّا المسافة الَّتي تعبِّر عن درجة التطوُّر والارتقاء الَّتي تفصل بين عناصر التراب الأولية وبين النُّطفة المؤلَّفة من الخلايا المَنَويَّة الحيَّة، فهي مسافة هائلة تنطوي على السرِّ الأعظم؛ سرِّ الحياة الَّذي لم يعرف البشر عنه حتَّى الآن شيئاً يُذكر، والَّذي لا سبيل لهم إلى أكثر من ملاحظته وتسجيله، دون الوصول إلى معرفة سرِّه وكنهه.
والتعبير القرآني يجعل النُّطفة طَوْراً من أطوار النشأة الإنسانية، وهي حقيقة رائعة تدعو إلى التأمُّل، فالإنسان يُخْتَصَر ويُخْتَزَل بكلِّ عناصره وخصائصه في الحيوان المنوي، ذلك الكائن المتناهي في الصِّغر الَّذي لا يُرى بالعين المجرَّدة، ويشكِّل واحداً من مئات ملايين الحيوانات المنويَّة الموجودة في النطفة. هذا الكائن الَّذي يلتقي بالبويضة فيتحوَّل معها إلى نقطة صغيرة عالقة بجدار الرَّحم تتغذَّى من دم الأم، وتختزن جميع خصائص الإنسان المقبل: سواء في ذلك صفاتُهُ الجسديَّة وسماته الخَلْقيَّة؛ من طول وقصر، وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصِحَّة، أو صفاته النفسية والخُلقية، من ميول ونزعات، وطباع واتجاهات، ومواهب واستعدادات. فما أعظم هذا الإعجاز! وما أعظم أن يكون ذلك كلُّه كامناً في تلك النقطة الضئيلة الَّتي سماها القرآن الكريم (علقة)! تلك النقطة الصغيرة في الحجم، الهائلة في القدرة، عليها يرتكز تكوين هذا الإنسان المعقَّد تركيباً... والمعجز بناءً وتكويناً... الواحد أصلاً ونشأة... والمختلف ألسنة وألواناً، وخصائِصَ وطباعاً، فلا يمكن أن يتطابق شخصان من السُّلالة البشرية على وجه هذه الأرض تطابقاً تامّاً وعلى امتداد العصور والأجيال.
وهكذا تستمرُّ الآية الكريمة في التَّعريف بحلقات السِّلسلة التكوينية لخلق الإنسان. فمن التُّراب إلى النُّطفة ومن النُّطفة إلى العَلَقة ومن العَلَقة إلى المُضْغَة، حيث تكبر تلك النقطة العالقة، وتتحوَّل إلى قطعة من دم غليظ مختلط على هيئة مضغة لا تحمل سمة ولا شكلاً. ثمَّ تتابع المضغة طريقها فتمضي في خط ثابت من النُّمُوِّ لا ينحرف ولا تتوقف حركته المنتظمة حتَّى تجيء مرحلة العظام، فمرحلة كسوة العظام باللحم. وهنا يقف الإنسان مشدوهاً أمام ما كشفه القرآن عن مراحل تكوين الجنين، والَّذي لم يُعرف على وجه الدِّقة إلا مؤخَّراً بعد تقدُّم علم الأجنَّة التشريحي: فخلايا العظام هي غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن خلايا العظام تتكون أوَّلاً في الجنين، ولا تُشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين. وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض هذه المراحل الَّتي يمُرُّ بها كلُّ جنين، فقد جاء في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمِّه أربعين يوماً نُطفةً، ثمَّ يكون علقة مثل ذلك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثمَّ يُرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويُؤْمَر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه وأجله وعمله وشقيٌّ أو سعيد..»؛ وهذه الكتابة ليست كتابة إجبار وقهر، ولكنَّها كتابة علم بما سيكون عليه هذا المخلوق في المستقبل، فالإنسان مخيَّر في أقواله وأفعاله ومعتقداته وليس مسيَّراً ولا مجبراً. فهذا الإنسان ذو الخصائص المتميزة، والَّذي يشبه جنينه جنين الحيوان في أطواره الجسدية، ومع ذلك فإنه ينشأ خلقاً آخر، ويتحوَّل إلى مخلوق مستعدٍّ للارتقاء (المعرفي والرُّوحي)، بينما يبقى جنين الحيوان في المراتب الدُّنيا، مجرَّداً من خصائص الارتقاء والكمال الَّتي يمتاز بها الإنسان.
والآيات الَّتي تحدَّثت عن الخلق توحي بعظمة الخالق وقدرته وكأنه تعالى يقول فيها: لقد خلقناكم على هذا النمط البديع، لنبيِّن لكم جميل نظامنا، وعظيم حكمتنا، ونبين لكم بهذا التدرُّج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أوَّلاً، ثمَّ من نطفة ثانياً ـ ولا تناسـب بين التراب والماء ـ قادر على أن يجعل النطفة علقة ـ وبينهما تباين ظـاهر ـ ثمَّ يجعل العلقة مضغة، والمضغة عظاماً، وقادر أيضاً على إعادة ما بدأه، بل هذا أَدْخَلُ في القدرة، وأهون في القياس. وهو الَّذي يُثَبِّت الحمل في أرحام الأمَّهات، ويقرُّ ما يشاء من هذا الحمل حتَّى يتكامل خلقه إلى زمن معين هو وقت الوضع، ثمَّ يخرج هذا الجنين طفلاً ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسِّه، ثمَّ يكتسب القوَّة بإذن الله شيئاً فشيئاً حتَّى يبلغ كمال قوته وعقله. فكم بين الطفل الوليد والإنسان الشديد من مسافات في المميزات أبعد من مسافات الزمان، تتم بيد القدرة المبدعة الَّتي أودعت الطفلَ الوليد كلَّ خصائص الإنسان، وكلَّ الاستعدادات الكامنة الَّتي تتبدَّى فيه وتتكشَّف في أوانها، كما أودعتِ النقطةَ العالقة بالرَّحم كلَّ خصائص الطفل، وهي من ماء مهين.
ثمَّ يخبرنا تعالى عن عظيم حكمته، فقد جعل أعمار الناس متباينة كتباين صفاتهم وسماتهم؛ فمن الناس من يُتوفَّى شابّاً، ومنهم من يطول به العمر؛ فيصبح صفحة مفتوحة للتدبُّر، فبعد العلم والرُّشْد وبعد الوعي والاكتمال، إذا به يرتدُّ عند شيخوخته طفلاً في عواطفه وانفعالاته، وكذلك في ذاكرته الَّتي قد تعينه حيناً وتخونه أحياناً، وقد يرهق ذهنه ويثقل فينفلت من عقال، بعد أن كان يختال بهذا العلم في شبابه ويتطاول، ويظن أن الشباب والقوَّة دائمان، قال تعالى: {الله الَّذي خَلَقَكُم من ضَعْفٍ ثمَّ جعلَ من بعدِ ضَعْفٍ قوَّةً ثمَّ جعلَ من بعد قوَّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً..} (30 الروم آية 54) لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر» (رواه النسائي عن سعد رضي الله عنه ).
ب ـ الغاية من خلق الإنسان:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:47

سورة الذَّاريات(51)

قال الله تعالى: {وما خَلَقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ لِيَعبُدون(56) ما أُريدُ منهم من رِزقٍ وما أُريدُ أنْ يُطْعِمُون(57) إنَّ الله هو الرَّزَّاقُ ذو القُوَّة المتين(58)}
سورة الإنسان (76)

وقال أيضاً: {هل أتى على الإنسان حِيْنٌ منَ الدَّهر لم يَكن شيئاً مذكوراً(1) إنَّا خَلَقنا الإنسان من نُطفةٍ أمْشَاجٍ نَبتلِيهِ فجعلناه سميعاً بصيراً(2)}
/ ومضات:
ـ لقد شاءت الإرادة الإلهيَّة خَلْقَ الإنسان وإيجاده من العدم، لغاية تتجلَّى في ناحيتين:
1 ـ معرفة الله وعبادته.
2 ـ اختبار الإنسان وامتحانه على وجه الأرض من حيث مدى أهليَّته بِصِفَتِه خليفةً لله عليها.
ـ منح الله عزَّ وجل الإنسان نعمة الإمداد إلى جانب نعمة الإيجاد. فأمدَّه بمفاتيح المعرفة والهداية والعلم كالسمع والبصر، وبكلِّ ما يضمن له الاستمرارية في الحياة إلى ماشاء الله.
/ في رحاب الآيات:
لم تكن الغاية من خلق الله تعالى للثَّقَلين (إنساً وجنّاً) لحاجة به إليهم، فهو الغني عنهم جميعاً وهم المحتاجون إليه أبداً. ولمَّا كان الله تعالى لا يخلق شيئاً عبثاً ولا يتركه سدىً، فقد أوضح لنا في كتابه الكريم الغاية من خلق الإنسان فقال: {وما خَلَقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدونِ} (أي ليعرفوني)؛ ولهذا قال بعضهم: [العبادة هي معرفة الله والإخلاص له في ذلك].
ولتأكيد سموِّ الغاية من هذا الخلق جاء قوله تعالى موضِّحاً: {ما أُريدُ منهم من رزق وما أُريدُ أن يُطعمون} أي لا أريد من خلقهم جلب نفع لي، ولا دفع ضُرٍّ عنِّي. فالله هو الغنيُّ المطلق، والرزَّاق المعطي الَّذي يرزق جميع مخلوقاته ولا ينسى منهم أحداً، ويقوم بما يصلحهم، وهو صاحب القدرة والقوَّة، بل هو شديد القوَّة فكيف يحتاج إليهم وهو المتفضِّل عليهم بقضاء حوائجهم.
ولما كان الأمر كذلك؛ توجَّب على العباد إفراده بالعبادة والقيام بتكاليفها. وقد ورد في الأثر أن الله تعالى يقول: [ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفَّلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدتَ كلَّ شيء، وإن فُتُّك فاتك كلُّ شيء، وأنا أَحَبُّ إليك من كلِّ شيء]. وفي هذا تلميح للمؤمن أن يجعل من نيَّته وقصده في جميع أعماله ونشاطاته، وفي سائر شؤون حياته، رضاء الله والتقرُّب إليه.
أمَّا قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حِيْنٌ من الدَّهر لم يَكن شيئاً مذكوراً * إنا خَلَقنا الإنسان من نُطفةٍ أمْشَاجٍ نَبْتلِيهِ فجعلناه سميعاً بصيراً}، ففيه تقرير بمرور مرحلة سابقة على وجود الإنسان لم يكن فيها شـيئاً يُذكر، ولم يكن آدم وبنوه يتمتَّعون بوجود أو حياة أو استقرار على وجه الأرض. وقد تأكَّدت هذه الحقيقة من قِبَلِ علماء طبقات الأرض الَّذين قالوا: لم يوجَد الإنسان على الأرض إلا بعد خلقها بأحقابٍ طوال. ولو أن الإنسان وُجد بعامل التطور الطبيعي، كما يدعي بعضهم، لاحتاج ذلك ملايين السنين زيادة عن عمر الأرض... لذلك لا يُعقل أن يكون الإنسان وما حوله من كائنات قد تطوروا في فراغ، ثمَّ هبطوا على الأرض بعد اكتمال نموها الجيولوجي.
ثمَّ تأتي الآيـة ببيـان عن خلق الإنسـان وتكاثر نوعه ـ بعد خلق آدم ـ بواسطة مادَّة واحدة مختلطة ممتزجة بين ماءيِّ الرجل والمرأة، لتحقِّق الإرادة والغاية من هذا الخلق؛ وهي ابتلاء الإنسان واختباره بالخير والشَّر، بعد أن أمدَّه الله وزوَّده بطاقات الفهم والوعي والإدراك والتخاطب، بواسطة السمع والبصر واللسان، ليتمكَّن من حمل أمانة التكليف الَّتي شرَّفه الله بها، وليستطيع اجتياز الامتحان بالفوز والفلاح. وعلى هذا تكون الدنيا دار الابتلاء، والآخرة دار الجزاء قال تعالى: {..ليَجْزِي الَّذين أساؤوا بما عملوا ويَجْزِي الَّذين أحسنوا بالحُسنى} (53 النجم آية 31).
فالإنسان العاقل الموفَّق، هو من يسلك سبيل الهدى بعد أن بيَّنه الله له ورغَّبه فيه، ويجتنب سبيل الضلال الَّذي وضَّحه له وحذَّره منه، ومنحه أوَّلاً وآخراً حرية الاختيار لأيٍّ من السبيلين شاء، قال تعالى: {إنَّا هَدَيْناه السَّـبيل إمَّا شـاكراً وإمَّا كفوراً} (76 الإنسان آية 3). وقد أخرج أبو داود وابن جرير والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {..لِيَبلُوَكم أيُّكُم أحسنُ عملاً..} (67 الملك آية 2) فقلت ما معنى ذلك يارسول الله؟ قال: ليبلوكم أيُّكم أحسن عقلاً. ثمَّ قال: وأحسنكم عقلاً أورعكم عن محارم الله، وأعلمكم بطاعة الله».
فمن خلال هذه الآيات وما سبقها يتبيَّن لنا أن الله تعالى قد خلق الناس وأوجدهم ليمتحنهم ويختبرهم أيُّهم أخلص عبوديَّة له، وأحسن عملاً لنفسه، مع علمه الأزلي بما هو كائن وبما سيكون منهم.
وهنا قد نجد من يقول: لماذا الاختبار، ولماذا الثواب والعقاب والنتيجة معروفة لله تعالى مسبقاً؟ والجواب: أن الاختبار مرتبط بعلم الله الأزلي بما هو كائن وبما سيكون، وإن عقل الإنسان وسلوكه هما نواة الاختبار ومادته، فلا عمل دون قرار وإرادة من الإنسان، ولذلك فلا حساب على من فَقَدَ عقله. ولولا وجود ذلك الاختبار، وظهور نتيجته، لساء العبدَ أن يُحكَم سلفاً دون أن يُبتلى ويُختَبَر.
ولكن حكمة الله تعالى قضت بالامتحان والابتلاء سدّاً لهذه الذَّريعة على العصاة والكافرين، إنه هو العليم الحكيم سبحانه وتعالى عن الظلم علوَّاً كبيراً.
وتجدر الإشارة في خاتمة هذا البحث إلى أن العلاقة الَّتي تربط بين الغاية من خلق الإنسان والغاية من خلق غيره، هي علاقة تستوجب التأمُّل والتفكير. فالله عزَّ وجل أنعم على الإنسان بنعمة الإيجاد أوَّلاً، وبتوالي الإمداد ثانياً، فسخَّر له ما في الكون جميعاً منه، وعند نعمة التسخير هذه سنقف وقفة قصيرة لنتعرَّف عظمتها من خلال الآيات التالية:
سورة لقمان(31)

قال الله تعالى: {ألم تَرَوا أنَّ الله سخَّر لكم ما في السَّموات وما في الأَرضِ وأسبغَ عليكم نِعَمهُ ظاهرةً وباطنةً ومن النَّاس من يُجادلُ في الله بغير علمٍ ولا هُدىً ولا كتابٍ مُنير(20)}
/ ومضات:
ـ تتراءى وحدانية الله تعالى وقدرته في آيات خلقه البديع، وتسخير جميع ما في السموات والأرض للإنسان، للاستفادة من ذلك التسخير في تيسير أموره الدنيويَّة ورقيِّها نحو الأفضل.
ـ كثرة النعم الَّتي تحفُّ بالكائنات دليل على وجود المنعم، سواء ما كان منها تحت المشاهدة والعَيَان كالصحَّة والمال، والجاه والجمال... أو ما كان منها من المعقولات والمجرَّدات كالمعرفة والعقل، والعلم والدِّين والإيمان.
ـ آيات الله ودلائل قدرته تهدي إلى الإيمان. وعلى الرغم من وضوحها وكثرتها فلا يزال فريق من الناس يجادلون في توحيد الألوهيَّة، دون برهان عقلي، أو سند نقلي، مستسلمين لما يلقيه الشيطان في رَوْعهم من عناد واستكبار.. قال تعالى: {..وإنَّ الشَّياطين لَيُوحونَ إلى أوليائِهم ليجادِلُوكم..} (6 الأنعام آية 121).
/ في رحاب الآيات:
تبدأ الآية الكريمة بعبارة {ألم تَرَوْا} والرؤية هنا بمعنى العلم والاستفهام، أي ألم تعلموا؟ استفهام إنكاريٌّ يتكرَّر استعماله كثيراً في القرآن الكريم، إلا أنَّ تكراره يعطيه مضموناً جديداً، وبما أنه استفهام عن ظواهر الكون فإنه لا يزال يتجدَّد في الحسِّ والنَّفس كلَّما تفكَّر الإنسان فيه، وتدبَّر أسراره الَّتي لا تنفد، وهي تبدو في كلِّ نظرة بلون جديد وإيقاع جديد. والسِّياق يعرضها هنا من زاوية التناسق بين حاجات الإنسان على الأرض وتركيب هذا الكون، ممَّا يقطع بأن هذا التَّناسق لا يمكن أن يكون مصادفة، وأنه لا مفرَّ من التسليم بالقدرة الواحدة المدبِّرة الَّتي تنسِّق بين تركيب هذا الكون الهائل، وحاجات البشر على هذا الكوكب الصغير، الَّذي يُسمى بالأرض، والَّذي لا يساوي ذرَّة صغيرة من حجم الكون، والإنسان في هذه الذرَّة الكونية مخلوق صغير، هزيل ضعيف بالقياس إلى حجمها، وإلى ما فيها من قوى وخلائق حيَّة وغير حيَّة. فهو لا يُعدُّ من ناحية حجمه ووزنه وقدراته الماديَّة شيئاً بالمقارنة بها، لكنَّ فضل الله على هذا الإنسان، وتكريمه له على كثير من خلقه عظيمٌ وكبير؛ فقد جعل منه مخلوقاً ذا وزن في نظام الكون وحسابه، وزوَّده بالقدرة على استخدام الكثير من طاقات هذا الكون وقواه، ومن ذخائره وخيراته، وهذا هو التسخير المشار إليه في الآية في معرض التَّذكير بنعم الله الظَّاهرة والباطنة.
فوجود الإنسان ـ ابتداءً ـ نعمة من الله وفضل، وتزويده بطاقاته واستعداداته ومواهبه منحة وهِبة، وإرسال الله للرسل وتنزيل كتبه أكبر فضل وأجلُّ نعمة، ووصله بروح الله منَّة وكرم، وكلُّ نفَس يتنفسه، وكلُّ خفقة يخفقها قلبه، وكلُّ منظر يسترعي انتباهه ونظره، وكلُّ صوت تترنم به أذنه، وكلُّ خاطر يهجس في ضميره، وكلُّ فكرة يتدبَّرها عقله، إن هي إلا نعمة ما كان لينالها لولا فضل الله عليه.
ونِعَمُ الله على الإنسان منها ما هو ظاهر للعيان يمكن إدراكه مباشرة بعين البصر، كالمال والجاه والجمال، ومنها ما هو خفي يدركه الإنسان إدراكاً غير مباشر وبعين البصيرة كالعلم بالله، وحسن اليقين به، وما يُدفع عنه من الآفات والنّقم. ومن النِّعَم ما يكون في باطن الأرض، وفي أعماق البحار، وعلينا أن نتحرَّى البحث عنها ونعرف خصائصها لننتفع بها. وفي مقابل هذه النِّعَم كافَّة يتوجب على الإنسان أن يؤدِّي دوره في هذه الحياة بالشَّكل المعبِّر عن إنسانيَّته، فيساهم في بناء المجتمع المتعاون المعتصم بحبل الله بكلِّ إخلاص وحبٍّ وتجرُّد.
ومع ذلك، فإن فريقاً من الناس لا يتدبَّرون ما حولهم من الآيات، ولا يؤمنون بالمنعم المتفضِّل؛ فهم يجادلون في الله بغير علم، مجادلة عقيمة على الرغم من البراهين الكونيَّة الواضحة، وهم يتنعَّمون بنعم الله السَّابغة. ويبدو هذا الفريق الَّذي يجادل في حقيقة الله منحرفاً عن الفطرة، لا يستجيب لآيات الكون من حوله، جاحداً النِّعَم، لا يستحيي أن يشكِّك في وجود المنعم، متهرِّباً من تحمُّل المسؤولية الأخلاقية والعلمية، منهمكاً في جدال لا يستند إلى علم، ولا يهتدي بهدى، ولا يعتمد على أساس، وإنَّما تُسَوِّلُ له نفسه وشيطانه من الضَّلال والتَّخاذل، ما يهوي به ويُهوي معه غيره من ضعاف النُّفوس في الكفر وظلمات الجهل والفقر والهوان.

ج ـ قصَّة الخلق:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:48

سورة البقرة(2)

قال الله تعالى: {وإذ قال رَبُّكَ للملائِكَةِ إنِّي جاعلٌ في الأَرضِ خَلِيفَةً قالوا أتَجْعَلُ فيها مَن يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّمَاءَ ونحن نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لك قال إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ(30) وعَلَّم آدَمَ الأسمَاءَ كُلَّهَا ثمَّ عَرَضَهُم على الملائِكَةِ فقال أنبِئُونِي بأسماءِ هؤلاءِ إن كُنتُم صَادِقِينَ(31) قالوا سُبحَانَكَ لا عِلمَ لنا إلاَّ ما عَلَّمتَنَا إنَّكَ أنت العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قال ياآدَمُ أنبِئْهُم بأسمائِهِم فلمَّا أنبَأَهُم بأسمائِهِم قال ألم أقُل لكم إنّي أعلَمُ غَيبَ السَّمواتِ والأَرضِ وأعلَمُ ما تُبدُونَ وما كنتُمْ تَكْتُمُونَ(33) وإذ قُلْنَا للملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبليسَ أَبَى واسْتَكْبَرَ وكان من الكَافِرينَ(34) وقُلْنَا ياآدَمُ اسكُنْ أنتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا منها رَغَداً حيثُ شِئْتُمَا ولا تَقْرَبَا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا من الظَّالِمينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عنها فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فيه وَقُلْنَا اهبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ولكم في الأَرضِ مُستَقَرٌّ ومَتَاعٌ إلى حِينٍ(36) فَتَلقَّى آدَمُ من ربِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عليه إنَّهُ هو التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)}
سورة الأعراف(7)

وقال أيضاً: {ولقد خَلَقنَاكُم ثمَّ صَوَّرنَاكُم ثمَّ قُلنَا للملائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبليسَ لم يكن منَ السَّاجِدِينَ(11) قال ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسجُدَ إذ أمَرتُكَ قال أنا خَيرٌ منهُ خَلَقتَنِي مِن نارٍ وخَلَقتَهُ مِن طِينٍ(12) قال فاهبِط منها فما يكون لك أن تَتَكَبَّرَ فيها فاخرج إنَّكَ منَ الصَّاغِرِينَ(13) قال أَنْظِرني إلى يوم يُبعثون(14) قال إنَّك من المُنْظَرين(15) قال فَبِمَا أغوَيتَنِي لأَقعُدَنَّ لهم صِراطكَ المُستَقِيمَ(16) ثمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيدِيِهم ومن خَلفِهِم وعن أيمَانِهِم وعن شَمَائِلِهِم ولا تَجِدُ أكثَرَهُم شَاكِرِينَ(17) قال اخرجْ منها مَذؤُوماً مدحُوراً لَمَن تَبِعَكَ منهم لأملأَنَّ جَهَنَّمَ منكم أجمَعِينَ (18) وياآدَمُ اسكُنْ أنتَ وزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلاَ من حيثُ شِئتُمَا ولا تَقرَبَا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا من الظَّالِمِينَ(19) فَوَسوَسَ لهما الشَّيطَانُ لِيُبدِيَ لهما ما وُورِيَ عنهما من سوْءَاتِهِمَا وقال ما نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عن هذه الشَّجرةِ إلاَّ أن تَكُونَا مَلَكَينِ أو تَكُونَا من الخَالدينَ(20) وقَاسَمَهُمَا إنِّي لكما لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فلمَّا ذَاقَا الشَّجرةَ بَدَت لهما سَوءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عليهِمَا من وَرَقِ الجَنَّةِ ونَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَم أَنهَكُمَا عن تِلكُمَا الشَّجرةِ وأقُل لكُمَا إِنَّ الشَّيطَانَ لكما عَدُوٌّ مبِينٌ(22) قالا رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وإِن لم تَغفِر لنا وتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ من الخَاسِرِينَ(23) قال اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ ولكم في الأَرضِ مُستَقَرٌّ ومَتَاعٌ إلى حينٍ(24) قال فيها تَحيَونَ وفيها تَمُوتُونَ ومنها تُخرَجُونَ(25)}
سورة الحجر(15)

وقال أيضاً: {ولقد خَلَقْنا الإنسان من صَلصال مِن حَمَأٍ مَسْنُون(26) والجَانَّ خَلَقْناه من قبلُ من نارِ السَّموم(27) وإذ قال ربُّك للملائِكَةِ إنِّي خَالقٌ بشراً من صَلصالٍ من حَمأٍ مَسنون(28) فإذا سوَّيتُه ونَفختُ فيه من روحي فَقعوا له ساجدين(29) فَسَجَد الملائِكةُ كُلُّهُم أجمعون(30) إلاَّ إبليس أَبَى أن يكون مع السَّاجدين(31) قال ياإبليس ما لك ألاَّ تكون مع السَّاجدين(32) قال لم أكن لأسجدَ لبشرٍ خَلَقْتَهُ من صَلصالٍ من حَمأٍ مَسنون(33) قال فاخرج منها فإنَّك رجيم(34) وإنَّ عليك اللَّعنةَ إلى يومِ الدِّين(35) قال ربِّ فَأَنظِرني إلى يومِ يُبعثون(36) قال فإنَّك من المُنْظَرين(37) إلى يومِ الوَقتِ المَعلوم(38) قال ربِّ بما أغْويتَني لأُزيِّننَّ لهم في الأَرض ولأُغْوينَّهم أجمعين(39) إلاَّ عِبادكَ مِنهم المُخْلَصين(40) قال هذا صراطٌ عليَّ مستقيم(41) إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلاَّ منِ اتَّبعك من الغَاوين(42) وإنَّ جهنَّمَ لَموعِدُهُم أجمعين(43) لها سبْعةُ أبوابٍ لكلِّ بابٍ منهم جُزءٌ مَقسوم(44)}
/ ومضات:
ـ الله تعالى هو الخالق المبدع، وهو الواسع العليم، الحكيم الفعَّال لما يريد. خلق الأرض ثمَّ خلق آدم، ووضع لكلٍّ منهما نواميس وموازين تتواءم وتتلاءم لتصلح حياة آدم على الأرض، ولتصلح الأرض بحياة آدم؛ فيتجلى بذلك إعجاز الله تعالى في خلقه ودقَّة صنعه.
ـ إن في تعليم الله لآدم أسماء الأشياء كلِّها {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} إشارة دقيقة إلى قدرة الإنسان على الوصول إلى درجات عليا من المعرفة والكمال، وإلى أهميَّة العلم وضرورته للحياة الإنسانية حسب المنهج الإلهي.
ـ أعطى الله آدم القدرة على الكلام منذ خلقه وعلَّمه{قال ياآدم أنبِئْهُم}.
ـ كرَّم الله الإنسان المؤمن بالله، الممتثل لأمره؛ على سائر مخلوقاته بما فيهم الملائكة والجن، ولذلك أمرهم الله بالسجود لأبي البشريَّة آدم عليه السلام سجود تكريم وتقدير؛ للروح الإلهية المودعة فيه، وللعلم الَّذي أكرمه الله به، فسجدوا إلا إبليس أبى.
ـ دأْبُ الملائكةِ وشغلُهم الشاغل التسبيح لله، وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق بذاته القدسيَّة.
ـ عرض الله تعالى علينا في الآيات السابقة صورتين متشابهتين في البداية متعارضتين في النِّهاية، هما صورتا آدم المذنب، وإبليس المتمرِّد. فاشتركت الصورتان في أنَّهما تمثِّلان مخالفة لأمر الله تعالى، إلا أنَّ الأولى انتهت باعتراف آدم بذنبه وطلبه الصَّفح والغفران من الله تعالى، بينما انتهت الثانية بإصرار إبليس على ذنبه وتماديه في غيِّه، ولذا فقد نال آدم العفو والمغفرة من الله الغفور الرحيم، واستحقَّ إبليس الوعيد والعقاب من الله الشديد العقاب، وهكذا فالبشر جميعاً لهم مطلق الاختيار لأحد النموذجين في سلوكهم في هذه الحياة ولاشكَّ أنه سينال الجزاء الَّذي يتناسب مع اختياره.
ـ من تواضع لله رفعه، ومن تكبَّر عليه وضعه.
ـ إن الله عزَّ وجل يقبل التَّوبة من عباده المنيبين إليه، ويحفُّهم برحمته إن كانوا صادقين في الرجوع إلى بابه، ملتزمين بآداب التوبةبين يديه.
/ في رحاب الآيات:
خلق الله تعالى الأرض وأودع فيها ما شاء من أسباب الحياة والنعيم، فأبدع خلقها وأحسنه، وكانت الملائكة ـ بتسبيحها وتقديسها لله تعالى ـ ترى لنفسها مكانة خاصَّة عنده، فلما خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، أخبر الملائكة أنه سيجعل من هذا المخلوق خليفـة له في الأرض، فـتـعجَّبوا من أمر استخلافه عليها بعد أن أدركوا ـ بعلم الله ــ ما سيكون عليه حال ذريَّة آدم من فساد في الأرض وسفك للدِّماء، وعلى الرُّغم من معرفتهم وإدراكهم لطبيعة البشر فقد تعذَّر عليهم إدراك الحكمة من خلقهم؛ وهي أن الله تعالى أراد أن يودع الأرض لدى هذا المخلوق الفريد ويملِّكه زمامها، ويطلق يده فيها، ليَكِل إليه من وراء ذلك مهمَّة إظهار إعجازه تعالى في الخلق والإبداع، وكشف ما اختزنته هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كلِّه ـ بإذن من الله ـ في المهمَّة الجليلة الَّتي أولاها الله له، وهي بناء هذه الأرض وعمارتها، وتحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها، قال تعالى: {وإلى ثمودَ أخاهُم صالحاً قال ياقومِ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرُهُ هو أنشأكُم من الأرضِ واستعمركُم فيها فاستغفروهُ ثمَّ توبوا إليه إنَّ ربِّي قريبٌ مُجيب} (11 هود آية 61) (استعمركم فيها: أي كلَّفكم بإعمارها)، و لهذا فقد جاءهم القول الفصل من الله تعالى: {إنِّي أعلمُ ما لا تعلمون} ليضع حداً لتساؤلاتهم واستفساراتهم.
ويُستشفُّ من سياق هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى خلق الجنَّ من نار ثمَّ خلق آدم من طين، ووهبه من العلوم ما لم يهبه لغيره من خلقه، فعلَّمه أسماء الأشياء والأجناس وغيرها ممَّا شاء، وبذلك شرَّفه ورفعه إلى مكانة سامية. وفي هذا تشريفٌ للعلم والعلماء، ورفعٌ لمكانة العابد العالم على العابد الجاهل.
والملائكة ما خُلقوا إلا ليعبدوه ـ عزَّ وجل ـ ويسبِّحوه وينفِّذوا ما يُوْكَلُ إليهم من مهمَّات محدَّدة، بينما خُلق آدم وبنوه ليسلكوا سُبُل العلم الموصلة إلى معرفة الخالق، وعبادته حقَّ العبادة.
وتعرض الآيات صورة الاختبار الَّذي أقام فيه تعالى الحجَّة البيِّنة على ملائكته بسعة علمه، وتفرُّده في تصريف شؤون خلقه، وذلك قبل أن يأمرهم بالسجود لآدم، وفي هذا درس تعليميٌّ لطيف في آداب المناظرة وتصريف الأمور، فالله تعالى مع استغنائه عن إقامة الحُجَّة والدليل لمخلوقاته على شمولية علمه، لم يمنعهما عن ملائكته تكريماً لهم، وتعليماً للناس كي يحسنوا محاكمة الأمور من جهة، ولكي يحلم قويُّهم على ضعيفهم، ويتواضع كبيرهم لصغيرهم ويأخذه بالرِّفق والحكمة من جهة أخرى. فقد عرض الله تعالى على الملائكة أشياء ثمَّ أمرهم أن يخبروه بأسمائها فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، واعترفوا بعجزهم وبأنه لا علم لهم إلا ما علمهم إيِّاه، وعند ذلك أمر عزَّ وجل آدم أن يخبرهم بالأسماء الَّتي يجهلونها، فلما أخبرهم أدركوا السِّر في خلافة آدم وذريَّته.
لقد كان ذلك السرُّ يكمن في صلاحيَّة البشر للاشتغال بالماديَّات الَّتي لا تقوم الدنيا إلا بها، وذلك لأن المادَّة جزء من أجزاء تركيبهم الخَلْقي، فقد خُلق آدم عليه السلام من تراب، فاختلف بهذه النشأة هو وذريَّته عن الملائكة، وعلى أساس هذا الاختلاف اختلفت الحكمة في خلق كلٍّ منهما. فبعد أن أقيمت الحُجَّة على الملائكة بسعة علم الله، وعظيم حكمته في وضع علمه حيث يشاء، قال تعالى لهم: {أَلَم أقل لكم إنِّي أَعلمُ غيبَ السَّمواتِ والأَرضِ وأَعلمُ ما تُبْدونَ وما كُنتم تَكْتُمون}، ثمَّ أمرهم وإبليس أن يسجدوا لآدم، سجود تحيَّة وتكريم، واحترام وتقدير، للقدرة الإلهية المودَعَة فيه، لا سجود عبادة وتقديس وتعظيم، فامتثلوا للأمر جميعاً، عدا إبليـس ـ وهذا الاسـم معناه الآيس البعيد من رحمـة الله ــ الَّذي عصى أمره تعالى بالسجود لآدم حسداً واستكباراً، واعتدَّ بأصل تكوينه وهو النار، فقال لربِّه متبجحاً ومُغْتَرّاً: {أنا خيرٌ منه خَلَقْتني من نارٍ وخَلَقته من طين} فباء بغضب من الله لارتكابه خطيئتين من أكبر الخطايا، أولاهما: عصيـان أمر الله تعالى والإصرار على هذا الذنب، والثانية: التكبُّر والاعتدادبمادة خلقه مقارنة بمادة خلق آدم، جاهلاً بأن مكوِّنات التراب أفضل من تكوين النار، وأنَّ عناصر التراب لا ينجم عنها إلا الخير، وأنَّ في النار قوى مهلكة ومدمِّرة. وأصبح بعصيانه وإصراره مخلوقاً لا يستطيع العمل إلا وفق اتِّجاه واحد وهو الشرُّ المطلق.
وبهاتين الخطيئتين استحقَّ إبليس العقوبة العادلة من الله تعالى، وهي الهبوط من الجنة الَّتي كان فيها، وخروجه من دائرة الرحمة الإلهيَّة. وعند ذلك طلب من ربِّه أن يمهله إلى يوم القيامة ليثأر من آدم وذريَّته بإغوائهم، فأجابه تعالى إلى طلبه: {قال فإنَّك من المُنظرين * إلى يومِ الوقتِ المعلوم} فلما أخذ الوعد من الله بذلك، واستوثق من الإمهال أخذ يتمادى في العناد والتمرُّد على خالقه، وأقسم بعزَّة الله ليفسدنَّ في الأرض عن طريق إضلال ذريَّة آدم وتزيين المعصية لهم، وتلبيس الحقِّ عليهم بالباطل، حتَّى يصبح أكثرهم عصاة كافرين. فأعلمه الله بأنه لا سلطان له على عباده المخلَصينالمصطَفَين، من رفعوا شعار التَّوحيد، وأخلصوا الإيمان والعمل لله، فهم يستظلُّون في ظلاله، يعصمهم ويكلؤهم برعايته في الدنيا، ويدخلهم جنته في الآخرة. أمَّا من يتَّبع الشيطان من عباده فقد أقسم الله ليعذِّبنَّه وإيَّاهم فقال تعالى: {لأَمْلأنَّ جهنَّمَ منك وممَّن تَبعك منهم أجمعين} (38 ص آية 85) وذلك عقاباً لهم لأنهم أعمَوْا بصائرهم عن الحقيقة بعد أن تبدَّت لهم واضحة جليَّة، فضَلُّوا وأضلُّوا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:49

الهداية في منظور الإسلام

الفصل الأوَّل:
نـور الهـداية

إن الله تعالى هو الهادي الَّذي يهدي من اتَّبع تعاليمه سُبل النُّور والسلام، ويتعهَّد المؤمنين بولايته وحبِّه، ويخرجهم من ظلمات الجهل والتخلُّف إلى ضياء العلم والتقدُّم.
فالجهل ظلام يغشى العقل، ويلقي به فريسة سهلة بين براثن الأفكار والمفاهيم الفاسدة المغلَّفة بالمظاهر البرَّاقة، ممَّا يجعل المرء يغرق أكثر فأكثر في مستنقع الأوهام والخرافات الضالَّة والمُضِلَّة، ويركن إلى ما ورثه عن آبائه وأجداده من الجهالات الباليةدون أن يختبر حقيقتها ويتأكَّد من مدى صحَّتها ومصداقيَّتها. وقد شُبِّهت هذه الجهالات في القرآن الكريم بالظُّلمات، قال تعالى: {الله ولِيُّ الَّذين آمَنُوا يُخرِجُهُم من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ والَّذين كَفَرُوا أولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم منَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ أولَئِك أصحَابُ النَّارِ هم فيها خَالِدُونَ} (2 البقرة آية 257) فالنُّور الحقيقي هو ما يعتمل في قلب الإنسان وعقله وضميره، ويتجلَّى بالقيم والأخلاق الَّتي تُرضي الله عزَّ وجل، فإن غاب عنه هذا النور الجليل فهو في حكم الميت. والقلب العاجزعن تلقِّي النور الإلهي والتَّفاعل معه هو قلب فاقد للحياة الربَّانية؛ لأن ذروة سعيه هي المتع الحسيَّة، وأقصى طموحه هو النِّعَم المادية، وبذلك يقصِّر عن التطلُّع إلى نعيم الحضرة الإلهيَّة. وكذلك العقل الجامد، هو ميِّت لأن أُفُقَهُ محدود مقيَّد بالمادِّيات الَّتي تدركها حواسُّه في هذه الأرض، ولا مُرتقى له إلى عالم الغيب ورحاب الإيمان. أمَّا الضمير فيصبح ميِّتاً عندما يكون ولاء صاحبه موزَّعاً بين متعلَّقات شتَّى شغلته عن الإله الحقيقي، فيبقى منجذباً إليها لإشباع نزواته الطائشة وغرائزه الرَّخيصة. ولاشكَّ في أن أيَّ حضارة يقوم ببنائها إنسان بهذه المواصفات، ويتحرك ضمن هذا الإطار، لهي حضارة عقيمة، ميتة، لا حُبَّ فيها ولا عطاء، إنها حضارة زخارف وجدران لا حضارة مضمون ووجدان، إنها تبهر الناظر، ولكنَّها عاجزة عن منح النور للعقل، والحياة للقلب، والسعادة للمجتمع.
وبهذا تظهر ميزة الحضارة الإيمانية الشاملة، لانطلاقها من معرفة الإنسان لخالقه، وتطبيقه لتعاليمه بجدٍّ وثبات. وبهذه الحضارة يلتقي العقل والعلم والإيمان لتحقيق خير الإنسانيَّة ورفاهيَّتها وتقدُّمها في كلِّ أصقاع الأرض وأقطابها. عندها يستظلُّ الجميع برحمة الله ونوره، ذلك النور الَّذي ذكرته الآية الكريمة والمتمثِّل في هدي الله عزَّ وجل، وشرعه الَّذي جاءت به الرسل ليجعل من الإنسان أخاً للإنسان يحبُّ له ما يحبُّ لنفسه وليكون ذلك الشرع عوناً له على كلِّ ما يكفل له الخير والسعادة.
أمَّا الطَّاغوت الَّذي ورد ذكره في الآية الكريمة فهو الطُّغيان وهو كلُّ ما يُطغي الإنسان ويُضلُّه عن طريق الحقِّ والهدى؛ فيجعله في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، كظلمة الهوى والشَّهوة، والرِّياء والنِّفاق وغير ذلك ممَّا تكتسبه النفس الأمَّارة بالسُّوء ببعدها عن طريق الله. وهذه الظلمات تؤدِّي بأصحابها إلى المهالك وتفقدهم السلطة على أنفسهم، وتدفعهم إلى تولية زمامها لتلك المعبودات الباطلة الَّتي كانت مقبرةً لعقولهم، ليكونوا من أصحاب النار خالدين فيها أبداً.
والإنسان مخلوق ضعيف محدود المدارك والإمكانات، لذلك فهو عاجز عن أن يعرف الله تعالى بمفرده وبمعزل عـن توجيهه ـ سـبحانه ـ وإرشـاده له، فهو يوقن بالفطرةأن للكون إلهاً وخالقاً ولكنَّه لا يعرف صفات هذا الإله. ولذلك فقد توجَّه تارة إلى عبادة النجوم، وتارة أخرى إلى عبادة القمر، ثمَّ الشمس، ثمَّ اتَّبَع كلَّ ما هو غامض يوحي بالقوَّة، ولا يستطيع أن يحلَّ رموزه وأسراره فجعله إلهاً؛ فعبد النار والطبيعة وأشياء أخرى. ولكنَّه في فترة من الزَّمن تقزَّم بفعله وانحدر بفكرهفاتَّخذ من الحجارة أصناماً وراح يعبدها، جاهلاً أو متجاهلاً كلَّ الدلائل والإشارات الَّتي تهتزُّ بعنف من حوله وبداخله، وتدلُّ بقوَّة على وجود الخالق البارئ المصوِّر. فكيف حدثت تلك الحقبة التاريخية، الَّتي تكرر فيها سقوط الإنسان؛ من عالم الحضرة الإلهيَّة القدسي إلى بؤرة الضلال ومستنقع الجهل؟ وهل يمكن أن يحدث هذا التحوُّل في لحظة فينام المرء وهو على عبادة الله الواحد الأحد، ثمَّ يستيقظ وهو على أعتاب صنم، لاهثاً عند قدميه، طالباً منه العون والمدد؟.
لقد تهاوى كثير من الناس عبر الأزمان على أقدام أصنام شهواتهم وتعلُّقاتهم البهيميَّة، فانفلتوا من عقال وانحدروا في وبال، وانحرفوا عن الحقيقة الَّتي نزلت إلى الأرض مع نزول آدم عليه السلام، فكانت الرَّحمة الإلهيَّة تتدخَّل بين حين وآخر، وترسل إليهم الأنبياء والرسل لتذكِّرهم بوحدانيَّة الله، ليعودوا إلى وعيهم واتِّزانهم، فيحفظوا لأنفسهم كرامتها، ولقلوبهم صفاءها وهدايتها.
من أجل هذا كلِّه أَوْلى القرآن الكريم موضوع الهداية والسُّبُل المؤدِّية إليها اهتماماً كبيراً، يمكننا أن نقف على جزء منه من خلال تدبُّرنا للنُّصوص القرآنيَّة الآتية:
سورة الأنفال(Cool

قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا استَجيبوا لله وللرَّسول إذا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ واعلموا أنَّ الله يَحُولُ بين المَرءِ وقلبِه وأنَّه إليه تُحشرون(24)}
ومضات:
ـ لقد جعل الله تعالى في شريعته أماناً للإنسان، وفي تعاليمه نظاماً ومنهاجاً؛ وما عليه إلا أن يبادر بالخطوة الأولى في طريق الهداية بأن يستجيب لما هيَّأه الله تعالى له، وينفِّذ تعاليم رسله بدقَّة وعناية ليحيا حياة طيِّبة هنيئة في هذه الدُّنيا العاجله ومن بعدها الآخرة الآجلة، قال تعالى: {..للَّذين أَحسنوا في هذه الدُّنيا حسنةٌ ولَدار الآخرة خيرٌ ولَنِعم دارُ المتَّقين} (16النحل آية30).
ـ مخالفة هذه التعاليم والبُنى السليمة، تحيد بالقلب عن مساره الإيماني، وتدخله في متاهات الشُّكوك والمعاناة، ممَّا يحجبه عن الشعور بالتجلِّيات والأنوار الإلهيَّة، ثمَّ يأفل نجمه ويتردَّى في مسارب الشيطان ويندرج في أتباعه؛ وبذا يصبح الجسد حيّاً دون حياة حقيقية بالله.
في رحاب الآيات:
ليس الإسلام عقيدة تعبُّديَّة فحسب بالمفهوم الضيِّق للعبادة، بل هو هداية إلى منهج واقعي، ينظِّم الجانب الروحي كما ينظِّم الجانب المادِّي، لأن الإنسان مكوَّن من جسد وروح، فلا يدع أحدهما ينمو ويترعرع على حساب الآخر. فهو دعوة إلى الحياة الحرَّة الكريمة، بكلِّ صورها وأشكالها، ضمن إطار من الحقِّ والخير. وهو دعوة إلى تعاليم تُحْيِي القلوب والعقول، وتنقذها من أوهام الجهل والخرافة، وتحرِّرها من سطوة العبوديَّة لغير الله. إنَّه دعوة للمؤمنين للاعتزاز بعقيدتهم والثِّقة بربِّهم، والانطلاق في الأرض لتحرير الإنسان كلِّ الإنسان وإخراجه من عبودية الذَّات واللَّذات، إلى عبوديَّة الله وحده. وهو دعوة إلى منهج فكري وعلمي، يطلقهم من كلِّ قيد سوى ضوابط الشرع، الَّتي وضعها الخالق العليم بما خلق؛ من أجل صيانة الطَّاقة الفاعلة من التَّبديد وتوجيهها إلى النَّشاط الإيجابي البنَّاء. وإن الباحث يجد أن شرع الله هو الأمثل لتهيئة الغد الأفضل، إذ أن في أحكامه حوافزَ دافعة إلى كلِّ مُسْعِد؛ وضوابط مانعة من التردِّي في أسباب التعاسة والشقاء.
وهذه الدَّعوة مفتوحة وموجَّهة إلى كلِّ الَّذين يؤمنون بأنَّ لهذا الكون خالقاً، لكي يَحْيَوْا الحياة الَّتي ارتضاها لهم، بمحض إرادتهم واختيارهم، تاركاً لهم الحريَّة لينالوا الأجر، وليرتفعوا إلى مستوى الأمانة الَّتي أناطها بهم. فهو الخالق لهم، والمالك لأرواحهم وقلوبهم، بل إنه يملك أن يَحُولَ بين المرء وقلبه، ويحجبه عن هدايته إذا مال بهذا القلب إلى غيره، وتوجَّه إلى سواه.
فالقلب في قبضة خالقه، والمرء لا يملك من أمر قلبه الَّذي بين جنبيه شيئاً. وهذا الأمر يستوجب الصِّلة الدائمة بالله سبحانه واليقظة المستمرَّة لخلجات القلب وخفقاته، والحذر من كلِّ هاجس أو ميل يعترضه، أو رغبة تتعدَّى الحلال إلى الحرام؛ مخافة أن يكون انزلاقاً في مهاوي الهلاك الأبدي. عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يامقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، فقلنا: يارسول الله آمنَّا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلِّبها كيف يشاء» (رواه مسلم والترمذي).
فكيف بالإنسان الضَّعيف غير المعصوم؟! فالقلوب بين يدي الرحمن ونحن إليه محشورون، ولا مفرَّ لنا منه ـ لا في الدنيا ولا في الآخرة ـ إلا إليه، ومع ذلك فإنه تعالى يدعونا لأن نسعى إلى نور هدايته، استجابة الحرِّ المأجور، لا استجابة العبد المأمور.
سورة التوبة(9)

قال الله تعالى: {يريدون أن يُطفئوا نورَ الله بأفواههم ويَأبى الله إلاَّ أن يُتِمَّ نورَهُ ولو كره الكافرون(32) هو الَّذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون(33)}
ومضات:
ـ نور الله باقٍ ما بقيت الحياة، يشعُّ منيراً قلوب المؤمنين، وهادياً إلى سواء السبيل، ولن تنجح محاولات المغرضين في إخماده.
ـ لقد تتابع الرُّسل والأنبياء من أجل نشر نور الهداية والعلم والمعرفة، وحفظ الله تعالى هذا النُّور بحفظ القرآن الكريم بعيداً عن التَّحريف والتَّشويه، وبه حفظ سائر الرِّسالات الَّتي سبقته، فصانها بين طيَّاته صحيحة مكرَّمة، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتابَ بالحقِّ مُصدِّقاً لِمَا بين يديه من الكتابِ ومُهَيْمناً عليه..} (5 المائدة آية 48).
في رحاب الآيات:
هل يمكن لإنسان أن يحجب نور الشمس بكفَّيْه؟! أو لكثيب من الرمال أن يُطْفِئ لهيب الشمس وضياءها؟!.
كم هو مؤسف أن يتطاول الصغير على الكبير، والضعيف على القوي، وأن يُدْبِرَ الإنسان العاجز؛ عن أمر ربِّه القاهر مشيحاً عنه، معرضاً عن دعوته، فالله تعالى يناديه وهو يضع أصابعه في أذنيه مستعلياً، ويكشف له الحقيقة فيتعامى مستكبراً، يخاطب أشرف ما فيه، عقله وقلبه ووجدانه، فيُوصِد الأبواب ليخمد صوت الحقِّ الَّذي ينبعث من أعماقه!.
أيُّ عقوق وجحود؛ هذا الَّذي ينزلق الإنسان إليه تجاه خالقه؟! أوَ يظنُّ أنه خُلق عبثاً، ووجِد في الحياة ليلهو ويمرح فحسب؟ أم يظنُّ أن ضوابط الله هي قيود تجرح اعتزازه بالحرية والاستقلاليَّة؟ أيحسب أن كوابح الغريزة والهوى، الَّتي صاغتها الحكمة الإلهية، سلاسل تشدُّه إلى الأرض وتمنعه من الانطلاق كما يحلو له؟.
إن الضوابط الإلهية، والقوانين السماوية تنظيم لحياة الإنسان وتنسيق لمشاعره، وتهذيب لسلوكه، وتحريك للسرِّ الإلهي المُوْدَع بين جنبيه ليعلو فوق النَّوازع والشهوات، فتسمو الروح لتهيمن على كيانه، فتصبح مصدر انطلاقه نحو مرضاة ربِّه، والعروج درجات في معالي الكمال.
وبشيء من الرويَّة والصبر والتأمُّل، وبشيء من ومضات الصدق النفسي، يتوصَّل الإنسان إلى هذه الحقيقة، الَّتي قد يقضي عمره باحثاً عنها، وهي منه قاب قوسين أو أدنى! وإذا ما شاء أن يدركها فما عليه إلا أن يشرع بفتح أبواب عقله وقلبه لاستقبال تعاليم الله، والانقياد لها كما هي؛ لأنها من لَدُن مشرِّع حكيم يعلم مصلحته ويعلم سرَّ سعادته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:50

وبشيء من التواضع لعظمة الله، والرضا بما شرعه، سيُفتح أمامه باب واسع من المعرفة الَّتي تتولَّد عنها السَّكينةُ والطمأنينة، فمن تواضع لله رفعه، ومن رضي بما أمر به ألبسه ثوب الرضا الَّذي تكمن السعادة المنشودة بين طيَّاته.
والسؤال الَّذي يطرح نفسه: لو أن غابات الأرض كلَّها شبَّ فيها الحريق، وعلا اللهيب، واشتدَّ السعير، فهل يتمكَّن أهل الأرض جميعاً أن يطفئوا هذا الأَتُّون بماءٍ؛ ملؤوا به أفواههم، ثمَّ أخذوا يرشُّونَهُ على هذه النار؟ إذا كان الجواب لا، فهل بوسع المغرضين الجاحدين أن يطفئوا نوراً أراد الله له أن يسطع، ويشعَّ على الثقلين، هدايةً ورشداً، إنه نور الله تعالى، إنه كتابه الخالد، القرآن الكريم، الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد؛ الَّذي ارتضاه الله لعباده وتولَّى حفظه بوعده: {إنَّا نحن نَزَّلنا الذِّكْر وإنَّا له لَحَافظون} (15 الحجر آية 9). وإذا كان الأمر كذلك فأنَّى لهؤلاء ـ ولو كانت معهم قوى المخلوقات كلِّها ـ أن يمنعوا أمراً أذِنَ الله بانتشاره وبقائه؟ لقد حاولوا ذلك في كلِّ مناسبة، ويأبى الله إلا إتمام نوره وإفشال محاولاتهم وإحباط مؤامراتهم. ومع ذلك فإنهم لم يلقوا أسلحتهم ويستسلموا، بل راحوا يشهرون سلاحاً تلو الآخر، كالفتنة والدَّسِّ والوقيعة لمحاولة إطفاء هذا النور الإلهي ومنع انتشاره والَّذي تكمن فيه سعادة الإنسان وأمنه. إن هؤلاء: إمَّا ملحدون يريدون اقتلاع الإيمان من جذوره، أو مشركون يريدون السَطْوَ على قلوب المؤمنين ليشوِّهوا نور الإيمان فيها، ويزرعوا بدلاً عنه ما ابتدعوا من خرافات وأوهام، أو انتهازيون يدافعون عن مصالحهم، فهم لا يتوانون عن بذل الغالي والنفيس، في سبيل كسب قلوب الناس، وخطب ودِّهم بباطل يلبس لَبُوس الحقِّ، من أجل الحفاظ على مكاسبهم. وقد اتَّخذت محاولاتهم مظاهر كثيرة عبر مسيرة التاريخ، واتخذت طابعاً دمويّاً في كثير من الأحيان، فرافقها اضطهاد المؤمنين وتعذيبهم لكنَّ الغلبة في نهاية المطاف هي دائماً للحقِّ وأنصاره.
وما كانت وسوسة إبليس لآدم لإخراجه من الجنَّة، إلا ليحرمه من النعمة الكبرى، وهي الهداية لنور الله، وما أكثر ما يتكَرَّر سقوط الإنسان فيُحجب عنه النور الإلهي الساطع أبداً، إمَّا لجهله أو لتعنُّته، وفي كلتا الحالتين فإن القلوب هي الَّتي تعمى فلا تدرك ذاك النور القدسي، وليس النور هو الَّذي يتراجع أو يندحر. فما يكون للنور الإلهي أن تنطفئ شعلته، أو تخمد جذوته، لأنه نور الله الأبدي السرمدي الباقي على الدَّوام، وأمَّا المبطِلُون فإلى زوال، يندثرون وتُطوى أباطيلهم ويغيب فِسْقُهم، ويبقى الله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
وما أُرْسِلَتِ الرسل جميعاً إلا لتُوقِد شعلة الإيمان في القلوب، ولتأخذ بيد الإنسان بحنان، لتهديه إلى النور الإلهي، الَّذي لا يتسرَّب إلى قلبٍ إلا ويفارقه الشقاء إلى الأبد، ولتجسِّد دستور الله في الأرض بمعناه الواسع الشامل وهو الاستسلام لحضرة الله، ذلك الدستور الَّذي دعا إليه جميع الرسل، بدءاً من آدم وإبراهيم، ومروراً بموسى وعيسى، وانتهاءً بمحمَّد صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى: {شَرَعَ لكم من الدِّينِ ما وصَّى به نوحاً والَّذي أَوحينا إليك وما وصَّينا به إبراهيمَ وموسى وعيسى أن أَقِيموا الدِّينَ ولا تتفرَّقوا فيه..} (42 الشورى آية 13). إنه دستور يقوم على الصدق والعدل، والهداية والإنابة في أصل كلِّ رسالة سماوية، وبِغَضِّ النظر عما طرأ على ذلك الأصل من تحريف وتبديل. ولهذا كان من مهامِّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد للرسالات السابقة ضياءها ونقاءها، وأن يزيل عنها الدخائل الَّتي شوَّهتها وحرَّفتها عن المسار الَّذي اختاره الله لعباده، ويتمِّم التشريعات الَّتي تكفل سعادة الإنسان وأمنه واستقراره، وعُلُوَّ شأنه في دنياه وآخرته.
سورة الأنعام(6)

قال الله تعالى: {أَوَ مَنْ كان مَيْتاً فأحييناهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في النَّاس كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ ليس بخارجٍ منها كذلك زُيِّنَ للكافرين ما كانوا يَعْمَلُون(122)}
ومضات:
ـ إن إنكار وجود الله والبعد عنه، هو انفصال عن القوَّة الفاعلة المؤثِّرة في الوجود كلِّه، وهو حجابٌ للروح، وختمٌ على الجوارح والمشاعر، وهذا هو الموت الحقيقي وفق المفهوم البعيد عن ظاهرة موت الجسد؛ أمَّا الإيمانُ بالله، فهوعلى النقيض من ذلك، إنَّه تفتُّح ورؤية، ويقظة وحياة، ونور وهدى.
ـ الكفر هو طفرة ضالَّة لا وشائج لها ولا ركائز توصلها إلى الحقِّ والإيمان، لذا فهو موتالإحساس بالله. ولا يخفى أن الكافر هو مرتع الكفر، أمَّا المؤمن ـ وهو المتصل بالله المعتصم بحبله المتين ــ فإنه يحيا بالله، ويفيض بالحبِّ والخير على قلوب الخلائق فيحييها معه؛ لذلك فهو دوحة الإيمان.
ـ لكلٍّ من الهداية والضلال، علامات فيزيولوجية، تتمثَّل في انشراح الصدر للهداية، وانقباضه للضلال. وهي مؤشرات ربَّانية زُوِّدَ الإنسان بها، ليدرك ردود الفعل الَّتي تدور في أعماقه، وليفسِّرها على ضوء تعاليم الله وإرشاداته.

في رحاب الآيات:
الموت نوعان: موت ظاهري وآخر حقيقي. أمَّا الموت الظاهري: فهو الموت الَّذي يعرفه عامَّة الناس، وهو انطفاء شعلة الحياة في الجسد، وتحوُّله إلى كتلة هامدة آيلة إلى التفسُّخ والاندثار. وأمَّا الموت الحقيقي: فهو انقطاع المدد النوراني الإلهي، وانحطاط أخلاقي في الإنسان، مع استمراريَّة حياة الجسد، وهذا هو الموت بمفهوم الشرائع السماوية، ذلك لأنه تبلُّد للإحساس والمشاعر الإيمانية، وانقطاع للصلة القدسية بين العبد والخالق المعبود، ينتج عنه قيام حجاب بينه وبين الوجود الروحي، يؤدِّي إلى جفاف قلبه، ونضوب ماء الحياة الحقيقية في أعماقه.
وهنا تشتدُّ الحاجة إلى مهمَّة الأنبياء والمرشدين، والَّتي تتمثَّل في إيقاد شعلة الحياة في القلوب، ليستيقظ حسُّها الإنساني وشعورها بالله، وبالتالي لتقود النفـس ـ بجملة أهوائها ورغباتها ـ في طريق متوازنة معتدلة وفق تعاليم الشريعة المطهَّرة. وسبيلهم إلى ذلك هو تلقيح أرواح المؤمنين بنور الإيمان الحقيقي المثمر، القادر على الإنتاج والعطاء.
فالإيمان هو الَّذي أحيا نفوس المؤمنين الأوائل، وطهَّرها من الحسد والحقد، والكِبْر والعُجْب، وزكَّاها من الفسق والظلم، والقسوة والأنانية. وهو الَّذي حفز هممهم، فطلبوا معالي الأمور، ووطَّنوا أنفسهم على العمل الدؤوب لهداية الأمم وتحريرها من الخرافات، وتطهير الأرض من الكفر والفساد. وهو الَّذي مكَّن المسلمين الأوَّلين من الظفر بالعلم والعمل والابتكار والإبداع، وإقامة الحضارة الَّتي شعَّ نورها في الآفاق، وعمَّ خيرها مشارق الأرض ومغاربها، في مدَّة زمنيَّة قياسية لم تتجاوز القرن. قال أحد المؤرخين الأوربيين: [إن مَلَكة الإبداع لا يتمُّ تكوينها لأمَّة من الأمم الناهضة إلا في ثلاثة أجيال، أوَّلها: جيل التقليد، وثانيها: جيل الخضرمة، وثالثها: جيل الاستقلال والاختصاص، إلا العرب وحدهم، فقد استحكمت لهم ملكة الإبداع في الجيل الأوَّل الَّذي بدؤوا فيه بمزاولتها].
وإذا كان للإيمان هذه الثمار الطيِّبة في حياة الإنسان وسلوكه، فإن الكفر على النَّقيض من ذلك، إذ هو موت الروح والمشاعر، والضياع المدمِّر لشخصية الإنسان، والمبطل للصالح والخيِّر من أعماله، والقاضي على خصائصه بصفته خليفةً لله في أرضه. إذ أن الكافر بالقيم السماوية، غالباً ما يكون كافراً بالقيم الأخلاقية والمُثُل الرفيعة، لذلك فهو لا يقصد من وراء عمله رسالة كريمة، ولا غاية نبيلة؛ لأنه يكفر بما أوحـاه الله تعالى إلى أنبيائه ورسله من تعاليم، أُثبتت مصداقيَّتها في التَّطبيق العملي، ويُشيح بوجهه عن صوت الحقِّ ونداء العقل، فلا يفكِّر ولا يتأمَّل، فيهوي بنفسه إلى مستويات أسوأ من مستوى الحيوان؛ وذلك بتعطيل ما كرَّمه الله به، وهو العقل والتفكير، فتُغلَق منافذ الإدراك لديه، وتتلاشى مواهبه ويتعطَّل سمعه وبصره عن فهم الحقيقة الكاملة للمُوْجِد والوجود، ويصبح قلبه موصداً تجاه ومضات الإيمان الباهرة ممَّا يجعله يتخبَّط في الظلام على غير هدى، فيتولَّد في داخله جدل عقيم، غير معتمد على دليل أو حُجَّة، وإنما بدافع الكِبْر والاستعلاء. فإذا انقطع دليلهوبطلت حُجته حقد على الشرائع وتبرَّم منها وامتلأ صدره غيظاً من حمَلتها وحقداً عليهم. ومن الطبيعي أنه بعد ذلك ينفر من الرسل والرسالات ومن الدعوة والدعاة، فلا يصغي إليهم بفؤاده ولا يستمع إليهم بأذنيه، ولا يلتفت إلى الحقِّ، مهما ظهرت أدِلَّته، ووضحت معالمه وحجَّته. ومتى وصل إلى هذه الدرجة، أُغلق قلبه، وحيل بينه وبين النور الإلهي، فاعترته الحيرة، وساورته الشكوك ولزمه الضلال والضيق، فيشعر بروحه حبيسة داخل جسده، عاجزة عن الارتقاء أو الانطلاق، تقيِّدها شروره وتثنيها آثامه؛ ذلك لأنه أضاع عمره جرياً وراء سراب، وعاش حياته بين جدران ضيِّقة، هي جدران العالم المادي فقط. فهو لا يؤمن إلا بما يمكن لعينه أن تراه، ولا يعتقد بوجود السعادة إلا مع اللذَّات وإرواء الشـهوات الحسيَّة فحسب، ولا يُقْدِم على عمل صالح إلا إذا أيقن أنه سيحصل على نظير مادي مقابله. فإذا جاءه الداعية إلى الإيمان، وعرض عليه أن يستبدل بتجارته الخاسرة تلك، تجارة رابحة مضمونة، تحقِّق له سعادة الدَّارين، لوى عُنُقَه، وضاقت أنفاسه، وتسارعت نبضات قلبه، كأنَّما يحلِّق في طبقات الجوِّ العليا. ونظراً لشدة تراكم هذه الظلمات بعضها فوق بعض، يصبح القلب خاوياً خَرِباً لحرمانه من نعيم الصلة بالله عزَّ وجل والإيمان الراسخ به، ثمَّ لا يلبث أن يتحوَّل إلى تربة خصبة لنُمُوِّ طفيليات المعاصي، وآفات الأمراض النفسية الَّتي تحوِّل حياته جحيماً في الأرض قبل جحيم السماء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:50

وجملة القول: إنه متى اطمأنَّ القلب بالإيمان، أشرقت عليه شمس المعارف وتعمَّقت صلته بمبدع الكون، وقوي شعور صاحبه بالانتماء إلى خالق عظيم يحميه ويكلؤه، فيحصل الأُنْس بوصاله، والسعادة الحقيقية بنواله، وتتفجَّر ينابيع الحكمة من قلبه وتجري على لسانه، ويجد الراحة في حاله ومآله، والوضوح في خواطره ومشاعره، والرفق واليسر في ذاته وعلاقاته، والرضى والتسليم بقضاء الله وقدره، فهو السعيد الحقيقي ولو قلَّت ذات يده. ومن أعرض عن الإيمان بقي يتخبَّط في ظلمات الجهل والهوى، فيمشي وحيداً بغير دليل، في طريق مقفرة على غير هدى، فلا يبلغ الصراط المستقيم، ولا يحصِّل السعادة الدنيوية منها ولا الأبدية، فهو الشقيُّ الحقيقي ولو سكن القصور، وتَقَلَّب في رَغَد الدنيا وشذا العطور. ولكن ما هو الصراط المستقيم، وكيف يجتازه المؤمن بسلام؟.
هذا ما سنتعرَّفه من خلال الفصل التالي بإذن الله.


var staticlogo=new Image(300,100)
var imgNum=3
var ranNum=Math.floor(Math.random()*imgNum)
var imgName=new Array(imgNum)
imgName[0]="http://www.khayma.com/logs/zuwar.jpg"
imgName[1]="http://www.khayma.com/logs/i3lan.gif"
imgName[2]="http://www.khayma.com/logs/taskeen.jpg"
staticlogo.src=imgName[ranNum]
var logolink="http://www.khayma.com"
var alttext="الخيمة العربية"
var fadeintoview=1
var visibleduration=0

function regenerate(){
window.location.reload()
}
function regenerate2(){
if (document.layers)
setTimeout("window.onresize=regenerate",400)
}

var fadeset=''
if (fadeintoview)
fadeset="filter:alpha(opacity=0)"

if (document.all)
document.write('')

function bringintoview(){
if (logo.filters.alpha.opacity
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نصر الله
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
نصر الله


المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
العمر : 34

خلق الكون Empty
مُساهمةموضوع: رد: خلق الكون   خلق الكون Icon_minitimeالأربعاء 05 مارس 2008, 22:51

يتبع انشاء الله تعالى, Sad
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خلق الكون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الونشريس للتربية و التعليم :: المنتديات العامة :: ملتقى الاسلاميات-
انتقل الى: