السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
تكملة للموضوع السابق "فضل الاسلام" يسرني ان اقدم لكم بقية الحديث و البحث عن عن هذا الموضوع و ذلك ما جاء على لسان شيخنا و شيخ الاسلام -محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى. باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر
لقوله عز وجل : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء:48 وقوله تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) النحل: 25
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقبلوهم) .
وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا .
عن جرير عن عبدالله أن رجلاً تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم .
وله من حديث أبي هريرة ولفظة : (من دعا إلى هدى - ثم قال - من دعا إلى ضلالة) .
باب ما جاء أن الله احتجر التوبة على صاحب البدعة
هذا مروي من حديث أنس من مراسيل الحسن .
وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله : (يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه) وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.
باب قول الله تعالى (يأهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم)
قول الله تعالى: (يأهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم) آل عمران: 65 إلى قوله: (وما كان من المشركين) آل عمران: 67 وقوله: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سله نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) البقرة:130 وفيه حديث الخوارج وتقدم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (آل أبي فلان ليسو إلى بأولياء إنما أوليائي المتقون) وفيه أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال آخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر فقال صلى الله عليه وسلم: (لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني) فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنة فما ظنك بغير هذا من البدع وما ظنك بغير الصحابة؟
باب قول الله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا)
قول الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم: 30
وقوله تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يبنى إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) البقرة: 132 وقوله: (ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) النحل:123
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي) ثم قرأ: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) آل عمران:68 رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكن وعمالكم).
ولهما عن ابن مسعود قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلي رجال من أمتي حتى إذا أهويت لأناولهم احجبوا دوني فأقول: أي رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: (أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين لم يأتوا بعد) قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: (أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون غر محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا) .
وللبخاري: (بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت: أين ؟ قال: إلى النار والله . قلت : وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدم على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة - فذكر مثله - قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) .
ولهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) المائدة/ 117
ولهما عنه مرفوعاً: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها) ثم قرأ أبو هريرة: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) الروم: 30 متفق عليه.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ (نعم وفيه دخن) قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم فتنة عمياء ودعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلن: يا رسول الله صفهم لنا قال: (قوم من جلدتنا ويتكلمون بألستنا - قلت : يا رسول الله ما تأمرني إن أدركت ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: وإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك) أخرجاه وزاد مسلم: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره قلت ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة) قال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تتحركوا عن الصراط يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم وإياكم وهذه الأهواء. انتهى .
تأمل كلام أبي العالية هذا ما أجله، واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم) البقرة: 131 وقوله: (ووصى بهما إبراهيم بنيه ويعقوب يبني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) البقرة: 132 وقوله تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) البقرة: 130 وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلة، وبمعرفته تبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو مطمئن أنها لا تناله ويظنها في قوم كانوا فأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: (هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل مهنا شيطان يدعو إليه وقرأ: (وأن هذا صراط مستقيما فاتبعوه ولا تشبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام: 153 رواه أحمد والنسائي.
باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء
وقول الله تعالى: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) هود: 116 الآية وعن أبي هريرة مرفوعاً: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعود فيه: من الغرباء؟ قال: (النزاع من القبائل والذين يصلحون إذ فسد الناس) .
وللترمذي من حديث كثير بن عبدالله عن أبية عن جده (فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي) .
وعن أبي أمية قال: سألت أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية؟ (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة: 105 قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال(بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعاً وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم) رواه أبو داود والترمذي.
وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر ولفظه: (إن من بعدكم أياما للصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عليه اليوم، له أجر خمسين منكم ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد، أنبأنا أسد، قال سفيان بن عيينة: عن البصري، عن سعيد أخي الحين يرفعه قال: (إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله، ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك، فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين) قيل: منهم؟ قال : (بل منكم) وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (طوبى للغرباء، الذين يتمسكون بالكتاب حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ) .
باب التحذير من البدع
عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن أمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عيها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وعن حذيفة قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، رواه أبو داود وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبية قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج أبو عبدالرحمن ؟ قلنا: لا، فجلس معنا، فلما خرج قال: يا أبا عبدالرحمن إني رأيت في المسجد أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن غشت فستراه قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، أنتظر أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى حتى أتى حلقة، فقال: ما هذا؟ قالوا له: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لم يصبه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لعل أكثرهم إلا منكم فقال: عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج.
هذا أخر ما تيسر
شيخ الإسلام / محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله تعالى-