صبر الصحابة على المرض
روي أن الحمى أصابت أهل قباء و لقوا منها ما لقوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكوا اليه. فقال لهم: ان شئتم دعوت الله فكشفها عنكم، و ان شئتم صبرتم فتكون لكم طهورا ( و قيل فأسقطت بقية ذنوبكم ). قالوا فدعها يا رسول الله.
و روي أيضا أن امرأة جاءت الى النبي تسأله أن يدعو لها أن يشفيها الله من الحمى، فقال لها ان شئت دعوت لك فيكشف عنك و ان شئت صبرت و تجب لك الجنة. قالت بل أصبر و لا أجعل و الله لجنته خطرا.
رواه البخاري
و روي أن امرأة أتت النبي صلى اللهم عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر و لكن ادع لي الله الا أتكشف فدعا لها.
رواه البخاري
و روي أيضا أن الطاعون أصاب معاذ و أبو عبيدة و شرحبيل ابن حسنة و أبو مالك الأشعري في يوم واحد، فقال معاذ: انها رحمة ربكم عز و جل، و دعوة نبيكم صلى الله عليه و سلم، و قبض الصالحين قبلكم، اللهم آت آل معاذ النصيب الأكبر من هذه الرحمة. فما لبث أن أصيب ابنه عبد الرحمن و قبل أن يموت قال لأبيه: يا أبت انه الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فأجابه معاذ: بل أقول ستجدني ان شاء الله من الصابرين.
ثم اشتد النزع بمعاذ - نزع الموت - كان كلما أفاق قال : رب اخنقني خنقتك فوعزتك انك لتعلم أن قلبي يحبك.
أخرجه أحمد
الصبر على ذهاب البصر
عن زيد ابن الأرقم أنه قال: رمدت عيناي، فعادني النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا زيد أرأيت لو أن عينك ذهب نورها كيف كنت تصنع، قلت أصبر يا رسو الله، فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم: لو صبرت و احتسبت كان ثوابك الجنة.
أخرجه البيهقي
الصبر على موت الأولاد
عن أنس رضي الله عنه أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر. فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله أخبرني عن حارثة ان كان في الجنة صبرت و ان كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، قال صلى الله عليه و سلم: يا أم حارثة انها جنان و ليست جنة واحدة و ابنك أصاب منها الفردوس الأعلى. فرجعت تضحك و تقول بخ بخ يا حارث
أخرجه الشيخان
روي أن أبي طلحة و أم سليم رزقا بولد. و أحبه أبوه حبا شديدا حتى مرض و قبضه الله بين يدي أمه. فلما رجع أبو طلحة سأل زوجته ما فعل ابني، قالت هو خير مما كان. و جهزت له عشاءه فتعشى ثم تزينت له فأصاب منها. ثم قالت له يا أبا طلحة: عارية استعارها قوم فلبثت عندهم ما شاء الله ثم ان أهل العارية أرسلوا في طلبها، ألهم أن يجزعوا، فقال لا، فقالت فان الله قد طلب عاريته فاحتسب ابنك فانه مات.
فذهب الى النبي يحكي له ما فعلت زوجته فسأل النبي: أعرستم الليلة قال نعم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما. فقال رجل من الأنصار : فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم من حفظة القرآن.
أخرجه البخاري
و قيل لأبي ذر انك امرؤ ما يبقى لك ولد فقال : الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء و يدخرهم في دار البقاء.
أمر أبي بكر الناس بالصبر على فقد الأقارب فقال: ليس مع العزاء مصيبة، وليس مع الجزع فائدة، الموت أهون ما قبله و أشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه و سلم تصغر مصيبتكم.
أمر علي بن أبي طالب الأشعث بن قيس بالصبر على فقد ابنه: إن تحزن فقد استحقت منك الرحم، و ان تصبر ففي الله خلف من ابنك. انك ان صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور، و ان جزعت جرى عليك و أنت مأثوم
و على الصبر على البلايا عامة
من الطرائف أن رجل مر على امرأة كانت بغيا في الجاهلية. فجعل ينظر اليها و قد ولت و لم يرفع نظره عنها حتى أصاب وجهه الحائط. فأتى النبي فذكر له ذلك. فقال صلى الله عليه و سلم: ان الله أراد بك خيرا، فان الله اذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا، و اذا أراد بعبد شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
كتب أبو عبيدة الى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم و ما يتخوف منهم. فكتب عمر له: أما بعد فانه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجا، و انه لن يغلب عسر يسرين، و ان الله تعالى يقول في كتابه : يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون. ( آل عمران 200 )
صبر السلف و الصحابة على الايذاء و التعذيب
عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا فقال صلى الله عليه و سلم كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون * أخرجه البخاري
و كان صحابة رسول الله يحبون أن تندق أعناقهم و لا يصيب رسول الله بخدش.
و روي أن أبا بكر وطيء في مكة و ضرب ضربا شديدا دفاعا عن رسول الله و حجفا عنه من اعتداء المشركين. حتى أن عتبة بن ربيعة جعل يضرب أبا بكر بنعليه على وجهه حتى ما يعرف وجهه من أنفه. و حمل أبا بكر الى بيته و ما يشك أحد في موته. حتى اذا فاق أول شيء سأل عن رسول الله، و رفض الطعام أو الشراب حتى يطمئن على رسول الله. و أبى الا أن يحمل اليه. فحملوه اليه حتى اطمأن على سلامته صلى الله عليه و سلم.
و كانت أم مصعب بن عمير تمنعه الطعام و الشراب لترده عن الاسلام ثم طردته من بيتها
و كان صهيب بن سنان الرومي يعذب حتى يفقد وعيه و لا يدري ما يقول
و كان أمية بن خلف يضع في عنق بلال حبلا و يسلمه للصبيان ليطوفوا به في جبال مكة. و كان يضربه بعصاه و يجوعه و كان اذا حميت الظهيرة يطرحه على ظهره في الرمضاء و يضع الصخرة العظيمة على ظهره و يقال له ستترك هكذا حتى تكفر بإله محمد فلا يقول الا أحد أحد
و كان عمار بن ياسر و أبوه ياسر و أمه سمية موالي لبني مخزوم، فلما أسلما قيدهم أبو جهل في شدة حر شمس الظهيرة و ظل يعذبهم عذابا شديدا حتى مر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهم : صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة.
و اشتد بهم العذاب حتى مات ياسر من شدة العذاب و طعن أبو جهل سمية بالرمح في قبلها فماتت، فكانت أول شهيدة في الاسلام، و شددوا العذاب بعمار و كان صغيرا، فتارة يضعون الصخر الأحمر على صدره و بالحرق و بغطه في الماء تارة أخرى حتى يفقد وعيه. و قالوا له لن نتركك حتى تسب محمد ففعل من شدة العذاب.
و جاء الى النبي يبكي و يعتذر له فأنزل الله { و من كفر من بعد ايمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان } ( النحل 106 )
و كانت أم أنمار بنت سباع الخزاعية تعذب مولاها خباب بن الأرت بالكي بالنار. و كان المشركون يلوون رأسه و يلقوه على النار و يسحبوه عليها فلا يطفئها الا ودك ظهره. و لا يزيده ذلك الا ايمانا و تسليما.
و زنيرة، الأمة الرومية، التي أسلمت فعذبت عذابا شديدا حتى فقدت بصرها، فقيل لها أصابتك اللات و العزى، فقالت و الله ما أصابتني بل هو من الله و ان شاء كشفه، فرد الله عليها بصرها
مقاطعة قريش لبني هاشم
قاطعت قريش بني هاشم مقاطعة شاملة و منعوا جميع القبائل من التعامل معهم. و استمر الحصار حوالي ثلاث سنوات. و انقطع عنهم الطعام حتى أنهم لجأوا الى أكل أوراق النبات و الجلود، حتى كان يسمع أصوات النساء و الأطفال يتضاغون من الجوع. و كان أهل مكة يشترون كل ما يرد الى مكة في قوافل التجارة حتى يمنعوا المسلمين من الشراء.
و لم يمنعهم ذلك من الخروج الى الناس لدعوتهم الى الاسلام.
و أبو ذر الغفاري الذي أسلم فقال و الله لأصرخن بها بين أظهر المشركين. فذهب الى المسجد و صرخ يا معشر قريش اني قد أسلمت. فانقضوا عليه يضربونه حتى كاد أن يموت.
فصاح بهم العباس: ويلكم أتقتلون رجل من غفار و عيركم تمر عليهم. فتركوه.
فرجع أبو ذر اليوم التالي فقال مثل مقالته بالأمس، فضربوه ثانية حتى كادوا يقتلوه فانقذه العباس مرة أخرى.
مقتطفات من كتاب حياة الصحابة و كتاب الرحيق المختوم